عبد المنعم إبراهيم خضر
شاءت إرادة الله وحكمته أن يظهر فايروس كورونا، هذا الفايروس المتحور، والذي ظهر بشكل مخيف، من حيث خطورته على الجهاز التنفسي للبشر، وكذلك طريقة انتقال العدوى وسرعة انتشارها بينهم، فاعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية (Pandemic)، والجائحة في اللغة العربية تعني الداهية والبلية المهلكة. (يا رب لطفك).
كثر حديث الناس عن هذا الفايروس الجديد، ففريق يقول إنه فايروس حقيقي ينتمي لعائلة (سارس) طور نفسه وظهر بصورة أشرس -وهذا هو رأي اهل الطب – وبلا شك هم (أهل مكة) الذين هم أدرى بشعابها، كما يقولون في المثل المشهور. وهم المرجو منهم صناعة لقاح مضاد للفايروس، وهم الذين نعول عليهم – بعد الله عز وجل – في هذا الخصوص. أما الفريق الآخر يقول : هو حمض نووي، اي أنه مصنوع في معامل المخابرات العالمية، وهذا يدخل ضمن الحرب البايولوجية (حرب الجراثيم والفايروسات والبكتيريا) المعروفة منذ زمن بعيد. وهؤلاء هم أهل السياسة التي تتشعب مسارات الحديث فيها عادة، وهؤلاء ليس لديهم غير الحديث والجدل البيزنطي، فهم لا يثبتون حقيقة علمية عما قالوه عن الفايروس، وبالتالي لن يصنعوا لقاحا وعلاجا نافعا.
الواقع يقول إن فايروس كورونا أصبح وباء عالميا، لم يستثن أحداً، لا دولة متقدمة ومقتدرة (كالصين والولايات المتحدة وألمانيا) ولا دولة أقل منها مثل (إيران أو إندونيسيا).
قلت في بداية كلامي شاءت إرادة الله وحكمته أن ينتشر هذا الفايروس بسرعة مذهلة، – وحكمة الله في الكون لا يعلمها إلا هو- ، علينا أن ننظر للدنيا من حولنا لنرى المشهد ثم نمعن النظر بدقة لنرى المشهد الماثل للعيان، مدن صاخبة تحولت إلى سكون، تلاشى صخبها وباتت هادئة بفعل منع التجول الذي فرض عليها، وحجر أكثر من 3 مليارات شخص، أي ما يقارب نصف سكان العالم في منازلهم خوفا من انتشار فايروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، فالكل يخشى على نفسه من مصير 34,020 شخصا قضوا نحبهم وصاروا تحت التراب، بينما تخطت الإصابات حاجز الـ700 ألف شخص، وسط مخاوف من تزايدها لتصل إلى المليون، لذلك أغلقت مدن وخضع السكان للعزل الإجباري تفاديا للكارثة الإنسانية.
ومع اتساع أسوأ أزمة صحية تواجه العالم الحديث – بحسب وصف منظمة الصحة العالمية – يستمر الحجر مفروضا على العديد من المدن حول العالم، بينما التزم نصف سكان العالم بحظر التجول المفروض في المدن الكبرى خوفا من انتقال عدى الفايروس المستجد. ومددت العديد من البلدان العربية والغربية إجراءات الحجر ووقف الرحلات الجوية الداخلية والخارجية.
وخيم الهدوء على مدن وساحات حول العالم، لم يكن يخطر ببال سكانها أن تصمت فيها الحركة أو تخف، فنيويورك الصاخبة عادة، استسلمت الأحد إلى الهدوء، ولم يسمع إلا أصوات أبواق سيارات الإسعاف، بعد إصابة 142,735 شخصا في عموم أمريكا، ووفاة 2,489 شخصا، منها 237 حالة في نيويورك خلال 24 ساعة، مع وفاة شخص في الولاية كل ست دقائق. أما في أوروبا، فالمشهد لم يكن بأفضل حال، إذ حل السكون على ساحات تاريخية. فصمت قلب باريس النابض بالحياة، وبدت ساحة الشانزيليزيه التاريخية شبه خالية بعد تسجيل 40,174 إصابة، و2,606 وفاة، كما استمر إغلاق أعرق المتاحف في البلاد، فضلاً عن المعالم التاريخية، وكذلك الحال في إسبانيا، حيث بدت شوارع مدريد شبه خالية عقب إصابة 80,110 أشخاص، ووفاة 6,803 حالات، بينما بدت شوارع إيطاليا خالية في ظل تسجيل 97,689 إصابة، و10,779 وفاة، ليهجر السواح أشهر المعالم التاريخية في العاصمة روما، ويتكرر المشهد في بريطانيا التي سجلت 19,522 إصابة، و1,228 وفاة.
ولم يختلف الحال في الدول الأخرى التي التزمت بالعزل، خاصة وأن الفايروس دخل 183 دولة، اتخذت الإجراءات اللازمة، بينما كانت الدول الأكثر تضرّرا خلال 24 ساعة الماضية إسبانيا ـ838 حالة وفاة، وإيطاليا 756 وفاة، والولايات المتحدة 460 وفاة، فيما واصلت الإصابات الانخفاض في الصين لليوم الرابع على التوالي أمس مع تراجع عدد الحالات القادمة من الخارج بواقع 31 إصابة، بعد أن أغلقت السلطات الحدود أمام الوافدين وقلصت الرحلات الجوية الدولية.
ونجد المشهد ماثلا في جزيرة بالي الإندونيسية السياحية الشهيرة والتي تحولت إلى مدينة أشباح، بعد أن أصبحت شوارعها وشواطئها الشهيرة خاوية تماماً، التزاماً بتعليمات الإغلاق التي فرضتها الحكومة لمواجهة فايروس كورونا المستجد، وفي ظل نقص معدات الوقاية من الوباء، لجأ بعض السياح إلى طرق غير تقليدية لحماية أنفسهم، وكانت قمة المأساة قد تجسدت في صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيها رجل في مكتب الهجرة في بالي، وهو يرتدي قناع الأكسجين الخاص بالغطس، ويحمل أنبوبة الأكسجين على ظهره.
المشهد العالمي حزين، كبرى مدن العالم التي كانت تضج حيوية ونشاطا اقتصاديا وسياحيا أصبحت مدن أشباح، لا حياة فيها، الناس ملتزمون بيوتهم خوفا من انتقال العدوى لهم حتى من أقرب الناس إليهم، سواء كانوا أقارب او أصدقاء.