القصة القصيرة
الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة منصة ليلي الثقافية
للرواية والقصة القصيرة
لقاء الشجن
أماني محمد صالح
جمعهم القدر صدفة فكانت من أجمل الصدف في حياتها، جعلتها تشعر بأجمل مشاعر وأحاسيس فكانت صدفة من صدف الحياة الجميلة رسمت بداخلها أجمل لوحةعاشت على ذكراها أعواما طويلة، إلتقيا في طريق عودتهما من الجامعة، تأخرت في ذلك اليوم ولم تكن تدري أن هذا التأخير سيسطر لها أجمل خطوط في حياتها.
جلس بجانبها في المركبة، دق قلبها دقات لم تعرف معناها، وبعد صمت طويل بدأ معها الحديث فكان أجمل حوار تبادلا فيه أطراف الحديث، وشعرت كأنها تعرفه منذ زمن بعيد، وكأنه كان في عقلها الباطن، كانت تحمل رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) في يدها، فكانت مدخله لبدء الحديث معها.
أعجبت به من أول لحظة، وكأن شئ بداخلها يؤكد لها أنها سوف تتلقى به يوما ما، وبعد الاسترسال في الحوار عرفت أنه صديق لأحد زملائها في الجامعة، اذا حتما سنتلقي يوما.. هكذا همست وبداخلها شيء من الفرح.
وبعد فترة ليست قليلة، قابلته في الجامعة؛ جاء لزيارة صديقه أو هكذا تظاهر ولكنه كان يبحث عنها فقد أحس هو أيضا بشئ من الفرح.
تكررت تلك الزيارات فكانت فرصة لمقابلته في فناء الجامعة، أصبحت تلك الزيارات من أجلها وأحست القلوب بذاك الاحساس المريح، وتغير طعم الحياة وتلونت بألوانها الوردية فكان حبها الأول وأول من فض بكارة قلبها، عشقته بجنون فقد كان غيورا، تلك الغيرة التي تزيد الأنثى كبرياء وعشقا، فكان حبها الأول وتلك الأسطورة التي تتمرد على النسيان.
تكررت اللقاءات في الجامعة وكان حديث صديقاتها، فكانت سعيدة بذلك لأنه كان مميزا ومتفوقا ومع مرور الأيام أحبته أكثر ، لكن غيرته لم تعد تلك التي تزيدها كبرياء وغرورا، فقد تحولت إلى شك وشجار يومي، لماذا تتحدثين مع هذا.. ولماذا تقفين مع ذلك.. حتى وصل إلى التدخل في طريقة اختيار صديقاتها، ووجدت أنها سجينة لحب رجل، يحركها كما يشاء، وهي تلك المتمردة، فراودها الحنين لتلك الفترة التي كانت فيها بلا قيود ولا رقابة من حبيب، فجأة قررت أن تتمرد وتتحرر، تريد أن تعيش حياة الشلة والصديقات، الحياة الاجتماعية المنفصلة عن الحبيب وقيوده،
وأصبحت لا تشتاق إلى لقائه، خاصة عندما تشاجر بعنف مع أحد زملائها بسببها، فكانت حديث الأصدقاء.
سافر إلى بعثة خارج البلاد فارتاحت من قيوده، ولكن في نفس الوقت هناك شئ ينقصها بطعم الملح والسكر، أي أنه يضفي ملوحة لحياتها لكن في الوقتةنفسه له طعم السكر، ذلك الرجل الذي يلون حياتها فقد عشقته رغم غيرته المدمرة.
عاد وطلبها للزواج، عاد بنفس الغيرة، فأحست أنها سوف تسجن مرة أخرى، وهذه المرة للأبد، فرفضت لأنها تريد أن تعيش حياة هادئة باستقلالية، شروطه كانت مجحفة، لن تعملي! وهي ليست تلك الشخصية التي تجلس في البيت وتربي الأطفال وتتنظر آدمها، رفضت وفي قلبها شئ من الوجع ظنا منها أنه سيبرأ يوم ما.
لماذا لا يتنازل هو حتى نكون معا
مضى هو وشقت طريقها في الحياة ونحجت وارتبطت بشخص يفهم شخصيتها واستقلاليتها وحوجتها لرجل يحبها ويفهم وما تريد دون تسلط ذكوري، لكن لم تجد معه ذلك الإحساس المريح.
هي الحياة لن تعطيك كل شئ، لابد من مرارة! ربما هي التي تجعلنا أكثر خبرة وصلابة في مواجهة ظروف الحياة.
وبعد سنوات وبعد أن شق كل منهما طريقة في الحياة ولعبت الأقدار بهم، التقيا فكان لقاء بطعم آخر.. لقاء الشجن وطعم الذكريات، وعادت تلك الدقات التي ظنت أنها لن تعود، عادت معه فقد نسي قلبها أن ينساه، فله وحده دق قلبها دقاته الأولى والأخيرة، فكان ذلك الوهم الجميل الذي أثبت معها أنها أجمل حقيقة.
تجمدت في مكانها عندما رأته، فقد كان مذهولا هو أيضا لم يتوقع أن يراها هنا وفي مكتبه فكان عناق النظرات التي اختصرت شوق كل تلك السنوات، ساد صمت رهيب بينهما، كان حوار العيون والقلوب، وبعد استوعب كل منهما اللقاء، حكى عن حياته وأنه مازال يحبها رغم السنوات فزادها ذلك غرورا، وأن إحساسها لم يكن وهما، أحست بالسعادة، كأن السعادة مرتبطة بوجوده فقط، وفي لحظة استرجعا كل الذكريات، فكان لقاء. جمع افراح والالم سنوات الفراق، فكان لقاء الشجن!
خرجت من عنده وبداخلها مشاعر وأحاسيس تكفي الكون كله، فقد كان مخزنا بداخلها واستيقظ من نوم عميق، نزلت منها دمعة عندما تذكرت أن لكل منهما حياته بعيدا عن الآخر!
رغم أنهم أسرى لحب قديم، فعجلة الحياة يجب أن تستمر، كان حبا ترك بداخل كل منهما أجمل الذكريات، فكانت تزين الحاضر وعندما يحن القلب للحظات صادقة وجميلة، يستدعي كل منهما تلك الذكريات لتحلو بها قسوة الحياة وتقلباتها، فكانت بمثابة واحة للاستراحة من عناء الحياة والطاقة التي تساعدهم على الاستمرار في هذا الحياة.
اماني محمد صالح
أماني الروح