في محبة الفن وأهله
الى سيدنا بادي.. صباحك يوم يقاس بي دهور
• طالما صرنا الى حظرنا المنزلي الذي احالنا للبقاء في منازلنا شأننا وشأن ذلك النمل الذي دعته آيات رب العالمين للبقاء في منازله خشية مرور سيدنا سليمان وجنده “يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ٱدْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ”
• فاننا سنكتب.. نطمئن روعنا وروع من نحب من البشر ونعطي للناس ما يجمل حياتهم، ونهدي للناس قصائد.. لنماسك أنفسنا وجيراننا.. وغدا تحدث الشمس عن مولد جديد للدنا يغادر فيها الناس المنازل والحبس الإجباري لعالم يكونوا فيه أقرب وأرحم وأكثر اعتناء بذواتهم وبالطبيعة من شجر وكائنات.
• فما الذي استدعى للذاكرة ذلك..؟
• للفن في السودان شانه شأن الطرق الصوفية طرائق ومذاهب.. وكل منها له حيرانه واسأتذته ومعجبيه ودروايشه والمداح.. وفي طرق الفنون السالكة مسالكها للوجدان قيض الله لبادي محمد الطيب.. وحده لا شريك له، في دروب الفن أن يدرك معنى ما عناه الكتاب من النظام الشواعر، وما هو أجدر بنطق الأحرف من الفنان.. فكان كلما صادف صوته خيال الشاعر.. تلاقت الأرواح.. فصاح المغني وفق ما اتفق.. فما يختم القافية الا بالترتيل أو بصيحة بالله.. ومرة بصيحة عارية.. يناجي فيها رب الكون والنملة والسنبلة ورب العالمين.
• ولد بادي محمد الطيب في نواحي قرى الحلاوين.. وكان انسانا هينا لينا رقيق الحال، محبا للفنون قدرت له الحياة أن يعمل في جامعة الخرطوم كعامل رقيق الحال.. صدح للبعض من طلابها وسمعه أقوام منهم قدر لهم الله محبة للفنون.. فبحثوا له بطرق شتى أن يصير مغنيا محترفا.. ونجحوا في مسعاهم بإجازة صوته لاحقا في إذاعة امدرمان مهوى الأرواح والأفئدة يوم أن كان الناس يضطربون كلما سمعوا “هنا امدرمان”.. ولعلهم تشبثوا بها يوم أطل منها صوت ليلى المغربي الذي احال ليل السودانيين لصباح.. وأطرب صبحهم ببرنامج يهون وقع حياتهم وينتخب لهم أغنيات وأدعية وهمسات.
• انقطع بادي بالفن عن ما عداه افرغ له نفسه ووقته، تجول في ربوعه مستنطقا لحروفه متأملا لمقاصد حروفه، هائما بين معانيه متأملا مقصود كتابه، متفهما لهم عارفا بمقصود الكلام.. فهو من كنانتهم ويخبر المعنى والمبنى.. ويدرك سر الكتابة.. كما انه يدرك السر الغامض الخفي للنص.. في وضوحه والتأويل..
كانت قدرة بادي المهولة انه تلاقى مع النص الشعري في المساحة التي حرره فيها من التوقيت، فهو قد تصور أن هذا النص جدير بالخلود، وطالما هو كذلك فيجب ان لا يخضع لذاكرة الكاتب والمغني وأن يكون متروكا لتأويل المتلقي، فكان هو في الحق موئل الأغنية الذي ينتمي اليها ولا تنتمي اليه، وذلك في الحق قمة الإشراق..
• لقد استقر بادي في افهام الخلوق وروعها حين يسترجعون الأغاني مرة في كل عام او عقد او قرن.. بصوت منحول.. وما ان يسمع حتى ينهض في ذواكر الناس من غنى من قبل الاغاني من المغنين، وتصبح صيحاته في تمام الطرب جدار وقاية للأغاني من عوادي الزمان.
• تفرغ بادي للفن.. منقطعا به وله، وجير حياته له بالكامل حتى انه صار المرجع الفريد في عالم من الشعراء الكبار ذوي المعاني الواضحة والخفية.. تفرغ للحقيبة وافرغ فيها جهده وصوته.. وتجول في ربوعها بالكورس الشعبي تارة، وبالاوركسترا تارة أخرى، وبالغنا وفق وكيفما اتفق لمن صدف وصادف، وحتى انه غنى لسكان الشجر.
• لقد أسعد بادي محمد الطيب كل من سمعه، وأسعد الطير في اكنانه بصوته الصداح.. كما أسعد كل من عشق الغناء وكان من محبيه، وكان من لطف الله وتدبيره للكرة الارضية وسكانها.. ان كان من بينها فنان موطأ الأكناف محب للبشر مثل بادي.. وكان هو حفيا بالناس صبورا عليهم، مثل عازف كم اشقاه ترديد اللحن.. وكلما عزفه هام هو في واد بينما الناس في هم وتنكيد..!
• في محبة بادي التي لا تنفد وهي محبة خالصة للشعراء الأماجد وللفنون وكتابها.. وللناس الذين يسمعون فيستحسنون جميل القول والمعنى.. حتى يصيح قائلهم واعقلهم.. الله.. وبلبل صباحهم يصيح.. فاستمع واسمع وأعد القول وإستزد من المعنى.. ولكن لن تبلغ المقصود وإن توهمت.. وسلام على بادي محمد الطيب في الأولين والأخرين والخالدين فهو من المخلدين.
……
كسرة؛
الزم محلك