Take a fresh look at your lifestyle.

في رثاء العالم، د. محمد الشحرور / المعز عبد المتعال سر الختم

في رثاء العالم، د. محمد الشحرور

لم يكن الدكتور محمد الشحرور مُجرّد باحث، أو كاتب، أو أكاديمي، أو مُفكّر عادي، بل كان مُتميّزًا بِقُدراتٍ خارقة في مقدرته على التحليل العميق لمشاكل الكون وإكتشاف الحلول، كان يتمتّع بصفاء ذهن مُذهل، وحِنكة عالية بمعرفته لأسرار اللغة العربية وتفكيك مفرداتها ومعانيها.
كان يٌدرك رغبة العالم العربي، واحتياجه للغة جديدة تُساعده على الإتكاء على وسادة التأمّل الفكري وإنفتاح العقل.
حدّثنا الشحرور عن أزمة العقل العربي المُعاصر، كيف أنّه عقل غارق في تمجيد الماضي، “عقل أُحادي، ترديدي، ترادفي، غير دقيق”، ممّا جعله عقلاً عاجزاً عن إنتاج المعرفة، بطيئًا في تقبّله لعملية التطوّر الفكري المُستمر، لذا عمّق لديه أزمة آلية التفكير، والشعور المتواصل بعقدة الذنب التاريخي وانغلاقه المستمر على مآسي التاريخ.
حدّثنا د. الشحرور عن الأديان المختلفة، وعن عالمية الرسالة المحمّدية، وعن المشكلات التي تواجهنا في فهم القرآن، لم يكتفي الشحرور بتعريفنا بجوهر المشكلة، بل ظلّ يُجيد الغوص في بحار العلم المختلفة، ويطفو بالحلول، قال بوضوح أن أهم مهمة في الكون هي “قيادة التغيير”، أن نستعمل عقولنا بطريقة تُحفّزنا على إستقبال التطّور، وأن نُعيد قراءة التاريخ بأدوات مُختلفة تُناسب سقف معرفتنا الجديد، وأن نتحرّر من عقليّة التراث الجمعي الّذي وصل لأقصى معرفة تناسب سقف معرفته وقتها، ما قاله ببساطة أنّه لا يُمكن لفظ التاريخ، ولا بالضرورة تمجيده، بل نحن نحتاج لأدوات معاصرة لقراءة التاريخ بعقولنا نحن، لا بعقول قديمة قدمّت أقصى ما لديها وقتها ومضت، فنحن لا نحتاج أن نطمر التاريخ، ولا أن ننبّشه بنيّة الإنتقام، بل نحتاج أن نقرأه بأدوات تناسب حجم ما وصل إليه التطوّر، لا أن نُسلّم عقولنا لعلماء عاشوا في الماضي ليفكّروا عنّا اليوم، أو مُستقبلاً.
قد نختلف مع دكتور الشحرور وقد نتفق معه، فهذا شأن الحياة وطبيعة صراعها الفكري المُستمر، لذلك لم يكن د. الشحرور مُسيئًا للتاريخ، بل كان ناقداً شديد التوهّج، كان مُفكرًا شجاعًا يليق بعصرنا، كان ساطع الفكر، قويّ المنطق، ظلّ لسنوات طويلة يحقن العقل العربي بمصل يمنع عنه جلطة التخلّف الدماغي، ويُخفّف حالات التحنيط الفكري، والاحتقان.
رحيل المُفكّر العربي الكبير دكتور الشحرور، خسارة فادحة للعلم والإنسانية، إنطفأ اليوم نجماً فكريًا شديد الألق، كوكب إنساني بديع التكوين، قمر معرفي سخيّ الضياء.

المعز عبد المتعال سر الختم
21 ديسمبر، 2019
نيو بريتن، الولايات المتحدة الأمريكية

شاركها على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.