تقول مسيرتها الإبداعية :-
حنين الصايغ شاعرة وأكاديمية لبنانية. حاصلة على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، وشهادة ماجستير في تدريس مناهج اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية في بيروت. تعمل في التدريس والترجمة الأدبية. صدر لها ثلاثة أعمال شعرية “فليكن” 2016، “روح قديمة” 2018 الحائز على جائزة ناجي نعمان الأدبية، وديوان “منارات لتضليل الوقت”٢٠٢١ عن دار النهضة العربية في بيروت.
ونبدأ الأسئلة:-
+ الوعي ضد الخوف، المحاصرة، الهزيمة،الإضطهاد، هل إنتاجك الشعري يحاول صناعة الوعي المفتقد عندنا..؟
لا أؤمن أن القراءة لأي عمل شعري أو حتى فلسفي بإمكانها أن تصنع الوعي. الوعي يتطلب إعادة بناء للشخصية والبنية العقلية والتغلب على البرمجة التي نتعرض لها من مجتمعاتنا. و لكن القراءة قد تكون بداية فقط؛ بداية لطرح الاسئلة
وللشك ولقبول حقيقية أن كل ما نعرفه يخضع للسؤال. من هنا أجيبك أن من يقرأ بنيّة الحفاظ على أفكاره وانحيازاته والتمسك بمآسيه لا يمكن أن يصل للوعي.
+ هل الحركة النقدية العربية تضع مفاهيمها على الأفق التطويرية اللازمة بنائيا ومعرفيا لصياغة المفترض الأجمل لها؟
لا أعرف عن النقد بشكل عام ولكن في مجال نقد الشعر نحن أبعد ما يكون عن حركة نقدية منظمة هدفها التطوير ومساعدة الشعراء الجدد على التركيز على نقاط قوتهم. ولكننا في معظم الأحيان نشهد ما يشبه الطقس الإجتماعي في الأوساط الشعرية حيث يتحول النقد إلى مجاملات يكتبها شعراء عن شعراء آخرون حتى يبادلوهم بالمثل. برأيي يجب أن يكون الناقد غير منحاز
ومن الأفضل ألا يكون شاعرا بل متذوقا للشعر وليس منافسا.
+ الذي يقترب من قراءتك ككاتبة يلمح خطاب رمزي رافض لكل التعقيدات المركبة مذهبيا، عرقيا، ثقافيا، وكأنك في مسارات نقل للنصوص من كونها حكاية متخيلة إلى مناظرات واقعية بتمثيل شعري لعوالم حقيقية كاشفة لكل الإتجاهات..؟
نلجأ إلى الشعر ليساعدنا على الارتقاء فوق الفروقات التي ذكرتها جميعا
ولنتوجه إلى الإنسان لأن معاناة الانسان واحدة وآلامنا تتشابه بغض النظر عن خلفياتنا وتعصبنا
ومحدودية انتماءاتنا. قضيتي هي الإنسان بل الجزء الأفضل فيه “قلبه” .
+ كتاباتك ليست مظاهرات تجريب تجعل من الشخصية فيها (ضمير)، لكنها تصنع له (هوية)، هل تمارسين عبر ذلك صياغة تأويلات للقراء تنقل الشخصية من فضاء افتراضي لفضاء حقيقي،أو كما نقول تماثل كتاباتك صراع هويات ..؟
ليس هناك أي صراع هوياتي في كتاباتي أو في فلسفتي وأسلوب حياتي. هذا لأنني ببساطة لا أتماهى مع أو تتمسك بأي هوية على الإطلاق. أظن أن الهويات تصبح سجونا
ونصبح خاضعين لها ومحاربين في سبيلها من غير أن نكون واعين بذلك. وهذه الأفكار تترجم في كتاباتي التي تتوجه للإنسان وتعطيه هوية “انسان ” لأن الإنسان أكثر من أن يكون ضحية أو تابع.
+ وطننا العربي لم يعرف بعد بشكل كامل الإستقرار الروحي الثقافي، والشعر يبحث عن ذلك في مجتمع يخطيء طريق الحريات، فأين أنت من ذلك..؟
أرى أن هذا السؤال يتقاطع مع سؤالك الأول عن صناعة الوعي. الاستقرار الروحي والحرية والوعي كلها تصلح أن تكون مرادفات لبناء إنسان مستقل يعرف كيف يفكر ولا يخضع للوصاية. أرى أن الكتابة بداية جديدة للتعرف على النفس ثم تحليلها وانتقادها وإعادة بناءها. لكن لا أظن أن هذا الامر ينطبق على الذين يوظفون الكتابة لأجل إعادة تدويرالمآسي وتمجيد الإنكسارات. هكذا تتحول الكتابة إلى عامل آخر يحافظ على محدودية الكاتب.
+ كتاباتك كلها نعرف فيها الديمقراطية كعلاقة بينك وبين قاريء، بعيدا عن روح السيطرة والإمتثال، وكأنها صناعة يقين يرفض مجتمع القهر الحقيقي..؟
كتاباتي تدعو القارىء لتحقيق نفسه ولا أعتقد أن وجود الانسان يتحقق بمعزل عن الحب. لذلك أجعل الحب بكل تجلياته وأشكاله سيد القصيدة وسيد الألم وسيد الخلاص أيضا. يقول ادغار ألن بو ” إن لم تمزق القصيدة روحك فأنت لم تختبر الشعر”، الألم تجربة نبيلة اذا انتهت بالارتقاء و النضج بينما المعاناة قد تسجن صاحبها في دائرة مفرغة قد تأخذ شكل الشعر أحيانا.
+ نحن في عالمنا العربي نبحث عن بديل أكثر جدارة من الأسطورة ليصنع لنا قوى مركزية في داخلنا ويمارس فعل إيجابي في بناء ذهني ونفسي ثم وجداني فهل الرواية غيمة الحلم هنا..؟
قد تكون الرواية حلم ونافذة وقنديل أيضاً، وهذا طبعا يعتمد على طبيعة العمل الروائي وأهدافه وما إذا وجد ليكشف عن ظواهر من كثر ما التصقت بنا ظننا أنها نحن. ثم تأتي الرواية لتفصلنا عما التصق بنا وتهبنا وجودنا العاري الحر الهش والجميل أيضا. فالهشاشة تعني ليونة ولزوجة واحتمال نمو.
+ هنالك فرضية بأننا نحتاج إلى لغة في السرديات تخاصم الإنشائية والثرثرة اللغوية إلى لغة تداول شعري يتجلى فيها الثراء النفسي للشخصيات لننتج قيمة كتابية مختلفة وجديدة..؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا المشروع جيد ويخدم الشعر ولكن حين نقرا تسقط هذه المشاريع عن أقدام أول قصيدة مكتوبة بلغة بليغة ولكنها خالية من المعنى والتجربة الحقيقية ثم نتسائل كيف بإمكان شاعر مثل نيرودا أو بوكوفسكي أن يعبر عن أعمق مكنونات النفس بلغة بسيطة يفهمها أي عامل بسيط. البهرجة اللغوية لا تصنع الشعر. ولو وجد الشعر في نفس صاحبة سيتمكن من ايصاله بسلاسة وبكلمات بسيطة.
+ ماذا يقلق القلم أكثر في وطننا العربي..؟
لا احب أن أتكلم عن الأدباء في الوطن العربي وكأنهم كتلة واحدة
ولهم نفس الهموم والمشاغل. أنا أحترم فردية الانسان بشكل عام والكاتب بشكل خاص ولا أؤمن بالكتابة عن قضايا كبرى فقط لأنها جذابة ولها مناصرون. قد احترم قضية ما ولكن حين أكتب علي أن أكتب عما يخصني أنا عما يشغل
وجودي وما يحققه.
+ هل فشلنا في صناعة الشخصية الثقافية العربية على مدى تأريخنا..؟
الشخصية العربية مثقلة بكم هائل من الحمولات الثقافية والتراثية والدينية والآيديولوجية ما يجعل من صنع أي شيء عمل شاق إن لم يكن مستحيلا. يبقى الأمل في شعلة الإنسان التواق للحرية والحياة والتغيير.
+ جراحات المرأة العربية مثلا، وكل إمرأة تماثلاتها في حروفك..؟
اتوجه إلى المرأة كثيرا في كتاباتي. المرأة التي هي أنا في معظم الأحيان. أحرضها على التمرد ولكن ليس بالمعنى الشائع المستهلك للتمرد، فأنا أحرضها على نفسها بالمقام الأول ،على شعورها بالدونية وشعورها بالذنب وشعورها بالتقصير. أقترب بحذر من صورة المرأة عن نفسها فأنا أعي تماما أن معظم الألغام موجودة هناك بيننا نحن النساء وبين مرايانا. المسألة ليست مسالة مجتمع أو إرث ديني وثقافي فقط، المسألة أنهم نالوا من صورة المرأة عن نفسها وعن قدراتها وعظمتها. لا قانون ولا كتاب يمكن أن يصالح المراة مع نفسها. المرأة فقط تستطيع أن تقوم بذلك.
+ الأرض الصامتة داخلها بركان الهزيمة، كيف لها بصوت المنتصرين، أم إنهم حتى اللحظة غائبين..؟
المشكلة في تعريف كل منا (كأفراد) للإنتصار والهزيمة. البعض يرى في القدرة على الجمود والاذعان إنتتصارا لفكرة أو وصية أو هوية. ولكني أؤكد لك أنه ليس هناك من منتصرين في مجتمعات يسودها الظلم وقمع الحريات والوصاية. الإنسان الذي لا يملك نفسه لا يملك شيئا. قد يكون هناك إنتصارات على الصعيد الفردي تتمثل بتفوق الإنسان على نفسه أو تطوير فكره ووعيه ولكن هذا كل شيء.
+ قليلا يتأرجح حلم الشعر فينا، وكثيرا كثيرا يقلق حلم الرواية فينا، إلى أين نمضي..؟
لا أحد يستطيع الاجابة عن هذا السؤال سوى الكاتب نفسه. للإبداع طرقه وأدواته التي لا نفهمها وكل منا إن كان صادقا مع نفسه وقدراته سيسلك الطريق الذي ينتظره.
+ الغضب العربي كله يخرج في حروف،الحزن يفعل ذلك أيضاً، فهل من طريق ثالث..؟
لقد اعتمد العرب على الخطابة كثيرا ومجدنا الكلمة حتى الثمالة وصفقنا لخطابات الزعماء ورجال الدين
والشعراء حتى نسينا أمر الأفعال
والنتائج كليا. اعتقد أننا المجتمع الوحيد الذي يولي الكلام أهمية أكثر من الافعال، وأجد أن هذا يترجم في سلوك الشعراء الذي يختلف تماما عن كتاباتهم سواء في معاملتهم للمراة أو للأم … الخ..
+ وصوت في وجدانك يحاول الصراخ..؟
ربما صرخت في ديواني الأول
وكتاباتي الأولى التي لم تستحق النشر. ولكني الآن فهمت أن لا جدوي من الصراخ فنحن بحاجة إلى التوازن والألم والحب أكثر من حاجتنا إلى الانفعال. قد يخدمنا الصراخ أحيانا
ولكن لا أحبذ أن يترجم شعريا إلى صراخ. قد يكون جميلا أن يصرخ الشاعر خلال كتابة قصائده وأن يصل هذا الصراخ على شكل ترنيمة جميلة إلى مسامع قراءه.
المزيد من المشاركات