(مدارات تيارات) ملف ثقافي أسبوعي يصدر كل خميس
وشعارها يمكننا ان نتفق بعشق…… ونختلف باحترام
ريبورتاح
تقارير
حوارات
إشراف /…أماني محمد صالح
..
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️💙💙💙💙
في العدد(110) من مدارات تيـارات نقرأ فيها
في المقـالات.
مدى الفـاتـح.. الواقعية السحرية في العلاقات الدولية
وطارق يس. قراءة تأملية في ملحمة عم عبد الرحيم..
في القراءات…رؤية نقدية لاشارات الصايم في إيماءات الكون للانا (3) عبدالله عثمان أحمد.
.
في القـصـة.
… الدكتور السيد شعبات جادو… زنابق الورد
الأستاذة.. وداد معروف.. بـائع الجرجير..
وفي الشـعر…
عمر الصايم
وخـالـص التّعـالي..
. وفي الاقتباسات…
إقتباس من الخـطـايـا الأنيـقة..
للكاتبة نفيسة زين العابدين…
وإقتباس من رواية سـيرة نـاس
للدكتور عمـرو إبراهيم مصطفى..
وفي الأخبار الثقافية.
قريباً صدور رواية .زغرودة في حوش أبّا النَاير ) للروائي الكاتب والشاعر فضيلي جماع..
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
الواقعية_السحرية في العلاقات_الدولية
مدى_الفاتح … القدس_العربي
ترتبط الواقعية في الأدب بالدراما وبالأحداث الحزينة، التي قد تمتد لصنع نهايات لا ينتصر فيها بالضرورة الخير، وفق فلسفة مفادها أن هذا هو الواقع الذي يجب نقله وأن أي صورة أخرى هي صورة حالمة أو رومانسية غير مرتبطة بالواقع الذي يجب نقله كما هو. في العلاقات الدولية كذلك لا تبنى المدرسة الواقعية على أساس أخلاقي، على اعتبار أن الذي يحكم العلاقات بين الدول ومسارات السياسة العالمية، ليس القيم والمبادئ المجردة، وإنما المصالح، التي تدفع أحيانًا لاتخاذ قرارات قد لا تكون مبررة أخلاقياً، لكنها مبررة “واقعيًا”، كإشعال الحروب وإلحاق الأذى بالناس.
فصل الواقعية عن جذور الكلمة في المخيال الثقافي الغربي قد يقدم صورة خادعة عن المقصود منها، فهي مدرسة نشأت لتكون رداً على الرومانسيين الذين لم تكن أعمالهم، وفق نقادها، معبرة عن حقيقة الواقع، وإنما منشغلة بتزيينه وتجميله. تدور الواقعية حول أنه ما من عدالة في هذا العالم ولا قيم مطلقة يمكنها أن تحدد الخير، كما أنها تظهر متأثرة بشكل خاص بفلسفة المفكر الإنكليزي توماس هوبز الذي كان يعتبر أن الأصل في الإنسان هو الأنانية وشهوة القوة والعدوان، ما يجعل الشر، الذي سيتبلور في شكل حروب، حالة سائدة. أي تصوير أو محاولة لحكاية الواقع أو تفسيره بمعزل عن مسلّمة الحرب والصراع الدائم بين الفرد والفرد والكل والكل هو غير مقبول من وجهة النظر الواقعية. المصطلح، الذي ظهر في القرن التاسع عشر تبلور أكثر على وقع الصدمات التي عاشتها أوروبا خلال فترة الحربين العالميتين. هذه الحروب، التي راح ضحيتها ملايين، خلقت صدمة استمر أثرها لأجيال مؤثرة بشكل واضح على التنظير في مختلف المناحي الإنسانية، لتظهر مدارس جديدة في النقد الأدبي وفي علم الاجتماع وفي السياسة الدولية قائمة على ضرورة النظر للمصلحة الشخصية والآنية.
يمكن أن نقول أن المصطلح، الذي ولد في أعقاب ثورة 1848 الفرنسية، والتي كانت احدى حلقات الثورة الأم، لم يكف عن التطور، حتى رسخ أكثر في أواسط القرن العشرين معبراً عن خيبة الأمل الكبيرة على الصعيد السياسي والاجتماعي.
على خلاف مع منظري الواقعية في الأدب، فإن أنصار الواقعية في العلاقات الدولية يميلون لأنها ولدت مع نشوء الدولة الحديثة، وهم بهذا لا يكتفون بالإشارة إلى ما وضعه ميكيافيللي أو سانت أوغسطين أو كلاوزفيتز فقط، ولكن إلى ما قبل ذلك بكثير، حتى أن بعضهم رأى في كتابات المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وخاصة كتابه “تاريخ حروب البلوبونيز”، وهي حرب قديمة استمرت قرابة الربع قرن بين أثينا وأسبرطة، نواة للنظرية الواقعية، باعتبار أنها حوت مصطلحات مشابهة لمصطلحاتنا المعاصرة عن توازن القوى والأمن القومي.
رأى منظرو الواقعية السياسية أن حالة الصراع بين المدن اليونانية التي وصفها ثيوسيديدس يمكن أن تشكل صورة مصغرة عن الصراع الدولي حول النفوذ وحول المصادر المحدودة.
وفق المنهج الواقعي الجديد فإن المصلحة الوطنية، بتفسير الطبقة الحاكمة وتعريفها لهذه المصلحة، هي البوصلة التي تقود لصنع سياسات صعبة التبرير أخلاقيًا، مثل جرائم الحرب التي تقوم بها دول عريقة في ديموقراطيتها، أو مثل اتجاه هذه الدول لاتباع مناهج تعذيب أو المساهمة في دعم إجراءات تتناقض مع معايير حقوق الإنسان.
يدخل في هذا الباب أيضاً دعم الدكتاتوريات، ففي أحوال كثيرة، وعلى الرغم من تناقض ذلك مع التصريحات العلنية الحماسية والطوباوية، إلا أن الدول “الديموقراطية” كثيراً ما تلجأ لدعم أنظمة الاستبداد حين تدرك أن مصالحها سوف تتعرض للخطر في حالة ولادة نظام معبر بشكل حقيقي عن رغبات الناس، التي سيكون على رأسها بالضرورة رفض الهيمنة ووقف هدر الثروات.
يطلق على هذه الطريقة في التفكير أحياناً اسم “البراغماتية” وهي كلمة لتلطيف الحقيقة التي تقول باختصار أن لا مكان للمثالية وأن الاختيار بين المصلحة والقيم يجب أن يحسم لصالح الأولى. المنظرون الواقعيون في العلاقات الدولية يسيرون على خطى الكاتب الفرنسي شامبفلوري الذي قال في أواسط القرن التاسع عشر أن على الروائي أن لا يعبّر في سرده عن أية أحكام وأن لا يدين أي شخص. هذا تماماً ما يحدث في السياسة محدثاً حالة من الفصام بين المشاعر الإنسانية والقرارات السياسية، ما يجعل مفكرين ينظّرون لحروب ببرود أو حتى يتباهون بها.
سوف تكون الواقعية هي العباءة التي سوف تخرج منها العديد من المدارس، من الواقعية النقدية والطبيعية والاشتراكية في النقد الأدبي إلى الواقعية الكلاسيكية في العلوم السياسية التي ارتبطت بهانز مورغنثاو وكتابه المرجعي “السياسة بين الأمم”.
في العام 2016 صدر كتاب من تحرير الأكاديميين النرويجيين جان هالاند ماتلاري وتورموند هاير تحت عنوان: “أوكرانيا وما وراءها” مع عنوان جانبي حول روسيا كتحدٍ أمني واستراتيجي لأوروبا. لا يجب أن نستغرب أن ذلك الكتاب، الذي ساهم فيه عدد من الباحثين، سبق بسنوات الصراع الدائر الحالي، حيث كانت الدوائر الأكاديمية الغربية مهتمة بها الموضوع منذ بداية هذا القرن، وخاصة بعد الحرب الجورجية في 2008 والحرب الروسية الأولى على أوكرانيا، التي نتج عنها ضم إقليم القرم في العام 2014. الاهتمام كان كبيراً لدرجة يصعب معها حصر المقالات والرسائل الجامعية والكتب التي ظلت تحذر من الخطر الروسي.
في ذلك الكتاب كتب كريستوفر كوكر، من قسم العلاقات الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد، فصلاً تحت عنوان: “روسيا وأوروبا وعالم الواقعية السحرية”. كان استدعاء “الواقعية السحرية”، والذي هو مصطلح أدبي مرتبط في الأذهان بالوصف الذي أطلقه النقاد على أدب أمريكا اللاتينية فريداً هنا، لكن كوكر اعتبر أن هذا المصطلح أساسي لفهم الصراع الروسي الأوروبي. يشرح كوكر ذلك بقوله أن المقصود بالواقعية السحرية، ليس الرومانسية أو الخيال، لكن واقعية أخرى تختلف عن الواقعية الكلاسيكية في أنها سمحت بإسماع أصوات أشخاص لم تتح لهم الفرصة من قبل للتعبير عن أنفسهم أو إيصال روايتهم.
بعد إمعان في التعريف يخلص كوكر للقول أن كلاً من روسيا والغرب كانا يعيشان بشكل ما واقعيتهم السحرية، التي تتضمن رؤية خاصة للحكاية المستندة على ما سماه شارل تايلور”المخيال الشعبي”، الذي يقوم بتعريف الشعوب ويحدد نظرتها لنفسها وعلاقتها مع الآخرين.
أراد كوكر في ذلك المقال أن يلفت لجوانب يندر الالتفات إليها مازجاً بين التحليل الثقافي والتحليل الاجتماعي والسياسي. كان من اللافت مقارنته بين رؤية أوروبا ورؤية الولايات المتحدة للواقع واعتباره أن الأولى حينما لم تستثمر الكثير في مجالات التسليح معتمدة على الولايات المتحدة، فإن ذلك ساهم في أن تكون أكثر قدرة على تقديم الدعم الاجتماعي، لكنه ساهم أيضاً في أن تكون معتمدة دفاعياً على الأمريكيين. شدد كوكر كذلك على ان هناك اختلاف بين مفهومي “الأمن الجماعي” الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي و”الدفاع الجماعي” الذي يتبناه حلف الناتو الذي يسيطر عليه الأمريكيون. وفق الرؤية الامريكية، فإنه يجب أن يكون هناك تشارك جماعي في النفقات والمخاطر بين الحلفاء. الخلاف حول الناتو ودوره وأغراضه ظل مكان اختلاف بين شقي الأطلسي، بل بين الدول الأوروبية نفسها.
💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙
قراءة تأملية في ملحمة عم عبدالرحيم
طارق يس الطاهر
محمد الحسن سالم حميد ، من شعراء الأرض ، شأنه في ذلك شأن الشاعر محمد بادي الذي يقول عن نفسه إنه شاعر “تربالي” ؛تجسيدا للانتماء للأرض.
نشأ حميد في “نوري” ثم انتقل إلى عطبرة ثم بورتسودان،”نوري” أعطته التصاقا بالأرض ، قربا من قضايا الفلاحين ومعاناتهم ،تمسكا بالجروف والتراب والسواقي، أما عطبرة وبورتسودان فمدينتان اتصل فيهما بالعمال وعرف معاناتهم عن قرب ، العمال في السكة حديد عطبرة والميناء بورتسودان.
ثم ذاق الغربة وعرف طعمها وعايش معاناتها عندما سافر إلى المملكة العربية السعودية ،كأنه بهذا الارتحال أراد أن يُنضِج تجربته وأن تتجسد في شعره ملامسة الواقع ؛ استكمالا لدوافع الإبداع لديه ؛ ليكون صوتا معبرا عن كل شرائح الشعب السوداني.
قصيدة “عم عبدالرحيمّ –موضوع الدراسة-من القصائد التي توافرت لها كل عناصر العمل الفني الناجح.، شاعر مبدع ، ملحن مميز، مغنّ مدهش.
يمكن تصنيف قصيدة “عم عبدالرحيم” ضمن الشعر القصصي ،الذي أول من أبدعه عمر ابن أبي ربيعة في العصر الأموي.
أحسنَ حميد حينما أعطى القصيدة لمصطفى سيد أحمد، ذلك الصوت الذي عبّر عن آلام الغلابة، وصار لسان كل موجوع، وصوت كل مفجوع؛ إذ تمكّن مصطفى من إعطاء معاني القصيدة إيحاءاتها وظلالها الحقيقية كما أراد حميد.
القصيدة عبارة عن قصة كفاح يومية ومسيرة نضال مستمرة لأسرة فقيرة ، تبدأ الأحداث برجل سوداني متوكل على الله:
فتاح يا عليم
رزاق يا كريم
صلى على عجل
حصن للعباد
هوزز سبحته (1)
دنقر للتراب (2)
همهم همهمة (3)
يحمل معه معاناته اليومية فالهموم متراكمات عليه :
هم فوق هم هما(4)
اختار حميد لبطل قصيدته القصة اسم “عبدالرحيم” وهو اسم صعب موسيقيا ؛لأنه يتكون من مقطعين، لكن حميد تمكن من تطويعه بمهارة.
بدأت القصيدة “القصة” بإشارات سريعة تجسّد البرنامج اليومي:
الصلاة، الأذكار، الطلبات الصباحية .الخروج للعمل….
يبرز فيها الجناس الرائع الرائق بين “همهم همهمة” وبين “هم فوق هم هما” ؛ مما أدى لتحفيز المتلقي للاستعداد للأحداث القادمة ،وللجمال الذي سوف يتدفق ، وللروعة التي سوف تنداح.
تشير القصة إلى أن زوجة عبدالرحيم لم تصبّح عليه ،ولم تكلمه صباحا وكان أمرا مستغربا :
لا قالتلو كيف
كيف أصبحت كيف
لا لمسة حنان ، لا لمسة وداد
لا رمشة طريف
لكن تزول الدهشة ، حين نقرأ المقطع التالي أو المشهد التالي:
كانت ماها في (1)
كانت في المراح
شدتلو الحمار (2)
تحلب في الغنم لي شاي الصباح
والطير ما نضم ، ما رسّل نغم (3)
تقوم بمهمتها في خدمة زوجها ، صباحا باكرا قبل غدو الطيور، فهي تغتدي والطير في وكناتها.
ذكّرته بطلباتها المنزلية اليومية ، وذكرت له طلبا خاصا بها :
قالتلو النعال والطِّرِق انهرن الحذاء والثوب تقطعا
ما قالتلو جيب (4)
شيلن يا الحبيب (5)
غشهن النقلتي والترزي القريب (6)
لم تطلب ثوبا جديدا ولا حذاء آخر ،وإنما طلبت إصلاحها ؛ لأنها تعرف ظروفه وحاله، وهنا تتجلى قمة الرحمة الزوجية ،
(وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (7)
هنا شخّصت زوجته المشكلة ” النعال والطرق انهرن” ، وحددت الحل “غشهن النقلتي والترزي القريب” هنا قمة القيادة المنزلية كما قال ستيفن كوفي :
“إذا نقلت المشكلة إلى مديرك ، فأنت مراسل، وإذا نقلتها مع اقتراح بحلها، فأنت مستشار، أما إذا نقلتها وقد بادرت في حلها، فانت قائد”. (1)
هنا يكمن ملمح بلاغي رائع جسّده حميد في هذا المشهد وهو ما يسمى في البلاغة اللف والنشر ، ومعناه أن تجمع أمرين بآخرين ، الأول له علاقة بالأول والثاني له علاقة بالثاني ، ولهذا شاهد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
(ومِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(2)
الليل لتسكنوا ، والنهار لتبتغوا
ومن شواهده في الشعر قول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسًا” … لدى وكرها العناب والحشف البالي
شبه قلوب الطير الرطبة بالعناب ، واليابسة بالحشف البالي .
هنا في قصيدتنا ربط الشاعر بين :
النعال ” النقلتي – الطرق “الترزي”
لكن الزوج الكريم لم يوافق على حل زوجته النبيلة الأصيلة؛ لأنه يعرف أن إصلاح الثوب والحذاء لن يجدي ؛لكثرة ما تم ذلك من قبل .
فقال :
طقّهن ما بفيد (3)
انطقن زمن (4)
وإن طقّ الزمن
لازمك توب جديد (1)
هنا دهشة بلاغية جديدة من حميد ، تتمثل في الجناس بين :إنطقن” بمعنى تم إصلاحها كثيرا وتكرارا ومرارا ، و”إن طقّ” أي مهما طال الزمن .
برّر عم عبدالرحيم حاجة زوجته لثوب وحذاء جديدين بخشيته على زوجته النبيلة من الحرج أمام صويحباتها وجاراتها ، فبادلها نبلا بنبل:
عشان يا أم الرحوم ما تنكسفي يوم
لو جاراتنا جن
مارقات لي صفاح (2)
أو بيريك نجاح (3)
ثم لخّص الدنيا كلها في أنها تتراوح بين أمرين ، وتتأرجح بين حالين:
إيه الدنيا غير ؟
لمة ناس في خير
أو ساعة حزن
فالدنيا بين فرح وترح، سعادة وحزن، نعيم وشقاء…
تتجلى الموسيقا التصويرية في أداء مصطفى سيد أحمد للقصيدة ، مثال على ذلك ، حينما أورد مشهد ركوب عم عبدالرحيم وحثه لحماره على السرعة:
نقرط للحمار(4)
هنا يصدر الصوت الذي يحث الحمار على السرعة.
كذلك حينما ذكر :
مرة العسكري كسار الجبور
تتجلى الموسيقا التصويرية في صوت التكسير فعلا .
ركب عم عبدالرحيم حماره ، وخرج طالبا رزقه، وظهرت الأماني المستحيلة
ياريت التمر
يا ريت لو يشيل
كل تلات أشر (1)
ولا أيام زمان كانت ما تمرّ
يبرز الجناس الرائع بين تمر و تمرّ
وتبرز النوايا الحسنة لو تحققت الأماني المستحيلة:
كان ما جاك هوان
ما لاقاك ضر
كان أكسيك در
خرج عم عبدالرحيم وذهب صوب “المشرع” الموقف ، نقطة التجمع على الشاطئ، وهناك وجد:
زملان الشقا
الجا من الجريف
الجا من الجبل
من كل حدب وصوب ينسلون ، وبادلهم تحية بتحية ، ومزاحا بمزاح:
صبّح هاظرهم (1)
نقنق ناقرهم (2)
غاظوه نعل
لكن روحهم طيبة وما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، لا يغضبون :
عم عبدالرحيم ما بخبر زعل (3)
كل الناس هنا ما بتخبر زعل
لأنه لا مبرر للزعل:
تزعل من منو
وتزعل في شنو
بينهم رابطة قوية ، فهم أصحاب بل أهل ، فقد قرّب العمل من شطّ به المكان ؛ فهو رابطة معنوية قوية.
ثم يسرح عم عبدالرحيم ،الحر وليس الحر!!!،وهو على ظهر حماره :
والبال اشتغل
البال اشتعل
جناس قمة في الروعة أعطى الكلمات جرسا موسيقيا وأبرز معاني خفية مجسدا الحالة النفسية لعم عبدالرحيم وصراعه الداخلي.
ثم يأخذنا إلى الحلقة الشريرة والدائرة الجهنمية التي تتأرجح البلاد بينها منذ الاستقلال:
حيكومات تجي وحيكومات تغور
مرة العسكري كسار الجبور
ويوم باسم النبي تحكمك القبور
والناس بين موقفين:
إما تقول بري
أو تحرق بخور
إما أن تقول “بري” ، وما أكثر من قالها ! واعتزل وغادر وهاجر ، وإما أن تحرق بخور ،وتداهن وتتملق ، وما أكثر من فعلها!ا
ثم يلفت شاعر الأرض إلى الأرض :
وأرضك راقدي بور
لا تيراب وصل
لا بابور يدور
ذلك عن الفلاح ومأساته، أما الموظف فليس بأحسن حال:
والماهية أف
عيشة هاك وكف
لا تبقى في الجيب ،ولكن تختطف منه بمجرد أن يستلمها “هاك وكف”
والغلاء الطاحن الذي لم يستطع مجاراته فرمز إليه :
والسوق فيك يسوق
بلاغة متناهية جسدتها الاستعارة المكنية ؛حين جعل السوق كائنا حيّا قادرا على أن يسوق المواطن ، والمواطن لا حيلة له ينساق رغما عن أنفه.
ثم تأتي المقارنة الإيمانية المرضية المقنعة المسلية للنفس متدثرة في المفارقة التصويرية ، فأنت يا عم عبدالرحيم مهما ساءت ظروفك :
إلا كمان في ناس فايتاك بالصبر
ساكنين بالإجار
لا طين لا تمر
واحدين بالإجار ما لاقين جحر
وذلك تأسيا بالهدي النبوي الشريف:
( انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) (1)
ثم يفصّلهم لنا :
عمال المدن
كلات المواني (2)
الغبش التعاني (3)
بحارة السفن
حشاشة القصور
لقاطة القطن (1)
والشغلانتو نار والجو كيف سخن (2)
يتماوج اللحن ليميز المعاني ويوضح الفروقات بين المشاهد، فبعد أن كان اللحن حزينا هادئا في وصف حالة الفقر المستشري :
ناسا عشيها دين
مجرورة وتجر
تكدح بالأجر
ومرة بلا أجر
عيشهن كمه
وديشهن هان قدر(3)
يتغير اللحن ليكون راقصا طربيا في وصف الطرف الآخر وبيان حال المعادل الموضوعي :
وناسا حالها زين
مصنع مصنعين
طين في طين
ما مرابا مر
بارد همهم
لا بيعرق جبين
لا وشن يصر (1)
ثم يموت عم عبدالرحيم – أو يغتال -إن شئت، يموت عبدالرحيم الفقير ، فالفقر عند حميد أشبه بالكفر ، يموت سارحا بخياله مشغول البال مشتعل البال، محاولا تفادي سيارة الشرطة ليقع فريسة لعجلات القطار ، كالمستجير من الرمضاء بالنار ،ثم:
سال الدم مطر
ليس كالمطر وإنما هو مطر ؛ لكثرته ، وهو من نوع التشبيه البليغ الذي يحذف أداة التشبيه ؛ ليجعل المشبه مشبها به حقيقة ، ليس مثله.
جفل الحمار هربا من سيارة الشرطة ووقع مثل الحجر بعيدا:
طوّح زي حجر
وصف حميد عم عبد الرحيم بطل القصة بأنه:
عم عبدالرحيم يا كمّين بشر (2)
أي رجل أمة ، اجتمعت فيه خصال البشرية فهو رمزٌ لها جمعاء.
ثم يختم حميد رائعته كما بدأها :
فتاح يا عليم
رزاق يا كريم
وتنتهي جدلية الفقر والكفاح واظلم واتساع الفجوة بين أفراد المجتمع.
❤️❤️💙❤️❤️❤️❤️❤️❤️💙💙❤️❤️💙💙
رؤية نقدية لإشارات الصايم في إيماءات الكون للأنا
م. عبدالله عثمان احمد
(3)
هذه الورقة الثالثة في الرؤية النقدية لإشارات الشاعر عمر الصايم في مجموعته الشعرية (إيماءات الكون للأنا) لا بُدّ من الإشارة إلى نصوص المجموعة على أنها كثيفة الإشارات، تتمظهر في أشكال ظاهرية تحملُ المعني السطحي المباشر، وتغوص بك الإشارات إلى عمقٍ آخر، هذا العمق يحتوي على ثقافةٍ تراثية يمكن أن نؤشرها بالسردية الشفاهية من التراث الشعبي، ويشكِّل عمق الطفولة للشاعر الذي لم ينفصل عن هذا العمق، ويظهر التراكم المعرفي في إشارات تتنوع منابعها من التراث الثقافي العربي الأدبي والمعرفي، إضافة إلى الروح الصوفي، والنص القرآني الذي يخلق عمق ايماني. هذه مداخل لإضاءة الإشارات في النصوص المختارة لهذه الورقة.
نشيد التشبيه:
“تعبثُ بك الحياة،
وتظل واقفًا.
إلى حتوفها تمضي بك الأيام؛
فتصيرُ مراوغًا ماهرا .
كلما انكسرتٍ الجرارُ،
صنعتَ أخرى، وحملتَها على قلبك.
لا الماءُ ينسكبُ،
ولابَيْضُ الغمامِ يخسأُ على
رأسك.
كلما تحطّمت التماثيل؛
هيّأتَ أخريات إلى معبدك،
وفرشت أبسطة الطائفين.
تنسجُ التفاهاتُ حولك حبالها
ولكنك لا تأبه،
تنفضُ من جسدك مخالبَ العناكب،
ثم لاتعيرها وقتك.”
في تراثنا العربي مقولة يعتدُّ بها عند الشموخ والصلابة على المواقف؛ فيقال: “النخلُ يموتُ واقفًا..” فنجد هذا المعني في عمق الإشارة إلى الاعتداد بالنفسِ والصلابة في الموقف، تعبث بك الحياة ،وتظل واقفًا
إلى حتوفها تمضي بك الأيام..
ويؤكد الشاعر الصايم أنه مثل النخل الذي في شموخه يموت واقفًا، فهو سيكون واقفًا إلى أن تمضي الأيام إلى حتوفها، إنها تراثية شعبية تؤكد سمات الفروسية في الظروف الصعبة؛ فمهما كانت الايام قاسية، وبتهكم يبتسم الصايم إلى نفسه التي ستتعلم مهارة المراوغة، وإن صنعت التجارب آخرين تعمم الإشارة النتيجه بمعني أن الإنسان الذي تعركه الحياة يستطيعُ أن يدرك مخارج تزماتها ولماذا؟ للمحافظة على الجوهر: “كلما انكسرت الجرار؛صنعتِ أخرى وحملتها علة قلبك
لا الماء ينسكبُ،
ولا بيض الغمام يخسأ على راسك.”
ويعود التكثيف الدلاليّ العميق، فالجرارُ والماء لها في الموروث دلالات عميقة وتلتصق أيضًا بالأمثال الشعبية والاقوال الماثورة، ولكن هنا التوظيف يظهر الصراع ببراعة، الإشارة تحملُ جدل موروث عندما تنكسر الجرار التي بها الماء؛ هذا يعني نهاية كل شيءٍ، ونجد المثل الشعبي (لا انكسرت القزازة ولا تدفق الفيها) أو المعني العكسي الأول إلى أن الأمور ما زالت ممكنة والثانية الكسر لا يُجبَر، فتضعنا الإشارة في حزن الصعاب، نعم انكسرت الجرار.. ولكن الصايم لايستسلم ولن يترك الماء ينسكبُ، سيصنع الجرار، ويحفظ الماء، ويحميها بعاطفته، ويتحمّل بصبرٍ، ويحفظ المضمون في القلب. ورمزية الماء تمضي في حقولٍ واسعة المعاني يكفي ذكرها في أنها أيقونة الخلق، قال تعالى في سورة الأنبياء: “أَوَلم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقًا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون.” فالماءُ تحملُ الحياةَ نفسها، خلقها، والنمو، وتحمل معاني أخرى صنعها الموروث، فهي في الحلم خير، وإذا مضت الأمور في سهولةٍ ويسر؛ فهي كالماء.
لقد صارع الصايم من أجل أن يظل سر الحياة المودع في الجرار بنزيف القلب، ومكابدة الظواهر المحيطة.
إشارة التماثيل تعيدنا للمراوغة والمهارة، هناك مَن يهشِّم التماثيل، وهي الاشياء العزيزة قد تكون رمزية الذكرى، وهو لا يرفض الزائرين إلى معابد تقديسه لهذه التماثيل التي تحمل الكثير له، بل يفرش البساط، ولكن ذلك يجعل التفاهات تنسج شراكها وتحاول اصطياده، وهو ينفض عنه حبالها ولايعيرها التفاتة ولايجعلها تشغل حيزا من وقته ذلك الجدار الذي رسم عليه قدسية يبجلها كما أخذتنا رمزية الصورة الشعرية المتدفقة منذ أن كان واقفًا والأيام تمضي إلى أن انكسرت الجرار، واحتفظ بالماء، وإعادة التماثيل، فالصور متلاحقه كثيفة ورائعة وجميلة وترتقي بشاعرية محسوسة.
مزج الصايم بين المواقف القيمية والمبادئ وبين جمالية الصورة الشعرية، وعمّق رمزيتها فالإشارات وعكس المعاني في ذاكرة المتلقي للأقوال والأمثال المحفوظة تجعله يوصل المعنى بتاثير قوي يجعلك تشعر بالمعاناة الحقيقية التي حدثت وهو يحافظ علي الماء كمثالٍ.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️💙💙💙💙💙💙💙
زنابق الورد
الدكتور.. سيد شعبان جادو
حلمت أنني أرتدي ثوبا تتماوج به سبعة ألوان كأنما هو قوس قزح يظهر بعد سقوط المطر فوق أشجار حديقتنا فتبدو لوحة جميلة بها غزلان وحملان وحمائم، غير أن غرابا يقف مترصدا لها فوق شجرة الكافور؛ تنبح الكلاب فرحة؛ أعلم ذلك منها حين تشبع من وجبة عظم شاة مذبوحة؛ كثيرا ما يزورني طيف أبي فتمثل لي نصائحه واقعا أتحسسه بيدي، أن تمتلك حلما يا ولدي فذلك كنز عليك ألا تخبر به أحدا؛ هناك لصوص يسرقون كل شيء: الثياب والدور والأقلام والدفاتر؛ يظهرون عقودا مزيفة وأختاما مسروقة؛ إنهم يراهنون على ذاكرة معتلة وأيمان كاذبة.
قبل أن يرتحل إلى ربه كان يصمت كثيرا؛ يبتسم لي ويخبرني بأنه راض عني؛ لقد تحقق حلمه؛ صرت أمسك بالقلم وأكتب حكايات جديدة.
ثمة خرقة ذات لون باهت بها ثقب يدلف منه فؤير، لم تمض على هذا الحلم غير ليلة حتى عاودني مجددا؛ لكن الثوب لم يعد مزركشا تقزم فوق جسدي حتى وجدتني أشبه برجل عار، أبحث عن رأسي فلا أجد غير نتوء حجري؛ عيناي تنظران داخل جسدي؛ ذلك المحرك الآلي يدفع بالدم في شرايين تمثل شبكة اتصالات عملاقة؛ داخل ذلك الرأس توجد قطعة ممغنطة تسجل كل ما تصدره أعضائي؛ ثمة عضو لا نفع منه؛ ضربه العجز والوهن؛ قالت أمي: إنها يوم وضعتني جاء رجال مولانا الذي يسكن القصر الكبير بمزين الصحة وقطع غلفة الصغار، أنبأتني بأنها احتفظت لي بها جوار خزانة الطعام، تتساقط قطرات من صنبور الماء تسقي الغلفة حتى لاتموت عجزا.
لا أدري كم ليلة مرت وقد عدت قويا، رجال الذي سكن البيت العالي مايزالون يمسكون بهؤلاء الذين امتلكوا ريشة الألوان ورسموا بها حلما ذا سبعة ألوان، لم يكتفوا بهذا بل طاردوا أزواج الحمام الأبيض الذي ألقى بحبات القمح في أرض أبي التي أنبتت كل حبة سبع سنابل في كل واحدة منها ما يقارب حفنة من دقيق صنعت منه أمي رغيف خبز محلى بعسل النحل.
هذه ليست تهاويم مجنحة؛ ذلك الثوب الذي كان مزركشا تعاركت نسوة في قريتنا أن ترتديه كل واحدة منهن ظنا أنه يصلح لتلك الليالي العابثة في زمن يسطو ساكن البيت العالي على الحلم وما يختال فيه، اجتهدت أن أخفيه عنهن، لم تعد تلك الأحلام تزورني في زمن الجدب؛ لقد ضرب الخريف كل شيء.
ثمة جهاز يتتبع الحالمين بالغد، يمسك بممحاة عملاقة؛ اختفت اللوحات الجميلة التي أبدعتها ريشة الصغار.
أحد هؤلاء الذين يلوكون الحكايات المملة ازدروا القوس ذا الألوان السبعة، رآه دليلا على سوء الخلق؛ لم أتمالك نفسي سخرية منه؛ يجهضون الحلم ثم لا يكتفون إلا بمقصلة لزنابق الورد الأبيض تلك التي تقاوم موات الشتاء؛ في الساعة الأخيرة من ذلك الليل الحالك السواد وقف مبتهل السحر ينادي ربه أن يهب الواقفين ببابه أرغفة الخبز وأكواب ماء تروي العطشى!
هربت البومة العجوز إلى الكهف المهجور، ومن يومها والأحلام صارت تلازمني ليالي الشتاء.
❤️💙💙💙💙❤️💙💙💙💙💙💙💙💙❤️
بائعُ الجرجيرِ
بقلم: وداد معروف ………. من المجموعة القصصية مس كليوباترا
كنت خارجا للتو من مكتب المدير, ممتلئ قلبي بالغيظ والغضب, تعوَّد على أن يرفع صوته على كل موظفي الإدارة, يواري ضعفه بصوته المرتفع؛ هكذا قال لي زميلي شعبان, حينما خرج من عنده ملطخا بشتائمه وكلمات التنقيص التي أدمنها, قال لي بأسًى وقهر لا أنساهما: هذا الرجل يواري ضعفا ما في هذا الصوت الرهيب,
– أتَذْكرُ يا صابر يوم خرج من مكتبه يجري خلف موظفة جاءته تشتكي من مديرها في مؤسسة كفر الشيال؟
– ضحكتُ وقلت له: هل هذا مشهد يُنسى! تواريت خلف هذا الجدار ونظرت إليه وهو يهرول خلفها في هذا الممر ونزل السلم خلفها، خرَجَت من بوابة المؤسسة وهو على أثرها يلهث من العدو؛ حتى أصبح أمامها وجها لوجه, انتقلتُ للنافذة كي أكمل متابعته بعد أن خرج للشارع, لم يتوقف يا شعبان يا حبيبي عن مشاجرتها ولومها, لأنها خرجت في وقت العمل لتأتيه وتشتكي! ماذا يفعل المظلوم ومتى تأتي لتقدم شكواها؟ أبعد انتهاء العمل!؟
– ساعتها يا صابر أشفقت على هذه الموظفة, من هذا الشرس الذي لم يكفه تقريعُها في مكتبه وإنما هرول خلفها عابرا الممر والسلم وبوابة المؤسسة لم يهدأ ولم يرعوي وأيضا لم يستح لهرولته خلف امرأة وإهانتها.
– جلست إلى مكتبي ولم أنتبه إلى الرجل المنتظر في يده أوراق خروجه للمعاش, فعملي في تلك المؤسسة هو إنهاء إجراءات المعاشات للموظفين الذين انتهت مدة خدمتهم, فبادرني قائلا:
– أستاذ صابر أنا هنا بعد أن دخلت لمكتب المدير بخمس دقائق, وقد مر عليَّ ثلث الساعة وأنا أنتظرك, الله يكرمك أنهِ أوراقي حتى أكمل توقعيها من موظفي الإدارة, فكما تعرف ما زال أمامي الإجازات والأرشيف والحسابات والأجور المتغيرة ثم المدير العام.
اندهش الرجل حين سألته هذا السؤال: كيف تحملت ثمانية وثلاثين سنة موظفا يا أستاذ صدقي؟ كيف ابتلعت إهانات المديرين, كيف تعاملت مع المعقدين منهم, كيف صبرت؟ لِمَ لَمْ تفعلها وتتركها لهم وتبحث في مناكبها عن لقمة عيش تسعى لها دون عبودية الوظيفة؟
فتح عم صدقي رئتيه ليملأهما هواءً كثيرا ثم قال: كيف وكيف, ستعرف حين تطَّلع على ملفي الصحي في الأرشيف وترى جراحات القلب لتركيب الدعامة ولتوسيع الشرايين, سترى توابع مرض السكر على عيني, وأيضا تحويلي لأطباء الضغط والروماتويد في عيادات التأمين الصحي.
ثم قلب في أوراق الشؤون القانونية في الملف, واقرأ المذكرات التي قدمتها للشؤون القانونية أشكو فيها من ظلم المدير محسن الهواري ومن الاعتداء اللفظي من زميلي عليِّ, ومن مشادة وقعت بيني وبين زميلتي عنايات, ومن ومن… كثير من المنازعات, هل يتسع اليوم لرواية رحلة ثمانية وثلاثين سنة مستخدما كما كانوا يطلقون علينا زمان؟
انظر الجزاءات التي وُقّعت عليّ؛ كما وُقّعت عليهم أيضا.
يا بني أن تكون موظفا صغيرا في الأرض؛ يعني أن تكون كرة يتداولها لعيبة محترفون في ملعب كبير ممتلئٍ بآلاف المتفرجين, يستمتعون بالفرجة ويهتفون للعيبة, أما الكرة فإن تمزقت من كثرة الركل والتهديف فسرعان ما تستبدل بغيرها؛ دون أن يشغل أحد نفسه بمصير تلك الكرة التي لا تقوم اللعبة إلا بها!
– صدقت والله يا عم صدقي؛ كنت تلك الكرة من خمس دقائق, حينما تناوب على ركلي المدير ونائبه ورئيسا قسم كانا يتناولان القهوة في مكتبه, لم تكن لهما علاقة بالحديث لكن واجب الضيافة في مكتب المدير أن يجاملا بركلتين للكرة التي تغسل وتنشر بالإهانات, لا لشيء إلا لأني أتحمل مزيدا من الأعمال التي تضاف إليَّ كل شهر فوق عملي, كيف أجرؤ وأقول لسيادة المدير العام: إني تعبت وإني أذهب إلى بيتي فاقدا للقوة, وإن لي زملاء في مكاتب مختلفة من المؤسسة لا يفعلون إلا الثرثرة واحتساء الشاي والقهوة, وإن هناك من لا يأتي ويُوَقَّع له, وإني أريد نقلي لقسم من هذه الأقسام.
– ضحك عم صدقي وقال: لقد تجرأت حقا يا صابر, تجرأت جدا!
– وسأوجه إليك السؤال يا بني الذي سبق ووجهته إليَّ, لم لم تفعلها أنت؟ ما زلت في الثلاثين من عمرك, والعمر أمامك وليس خلفك مثلي.
– أسند رأسه ليده وشرد بذهنه ثم أجاب: كل يوم أحدث نفسي بها, كل يوم يا عم صدقي أتخيلني بائعا للجرجير في السوق, أبيع خضرتي وأضحك مع زبائني, فرحا أنني أحكم نفسي بنفسي, لا مدير لي يهينني؛ يأمرني وينهاني, لا أبتلع لساني إذا تطاول عليَّ أحدُهم, أمتلك حرية رفع الظلم عن نفسي بالحكمة, دون أن أكتب مذكرة وأنتظر حكم الشؤون القانونية, ثم مرور ستة أشهر لرفع الجزاء عني إذا وقع, أحلم أن أعود آخر اليوم بما وهبه الله لي من رزق, سليم الصدر لا أتناول حبوب الضغط؛ والتي في كل زيارة يضيف لي الطبيب منها أصنافا جديدة.
– ها هي أوراقك انتهيت من توقيعها يا عم صدقي؛ ومؤكد قريبا جدا ستدخل السوق لتشتري الجرجير وتجد صابرًا هناك جالسا خلف “مشنة” الجرجير ينتظرك أن تستفتحه بشراء باقتين منه.
– حينها سأهنئك على شجاعتك التي لم أقدر عليها.
💙💙💙💙💙💙💙💙💙❤️💙❤️❤️❤️❤️
خـالص التّعالي
عمر الصايم
لا تَنْعَ أحدًا إذا ما رحـل
ولا تأمل أنْ يخلدَ الأصدقاء
تناءى مُستغرقًا في ذاتك
دعهُم يفلتُون بلباقة..
لقد كانوا يتحدّثُون يقاسمُوك نكات الجيل
و إنتظار الحبيبات
لا تَنْع أحدًا إذا ما علق النّاس
في منحُوتات اللغة الحجرية
أحبّتُنا عـادة لا يستقذُهم النـّعِي
مـن مـخالب الغيـاب
فلماذا تنبشُ ذكرياتك
تتعـري للغربـاء
أتبكي حيـاتـَك أم تخشى الرحيل؟
لا تَنْـع؛ ليقول الناسُ
ياله من ناع ماهر
كـم هو حزين!
عمر الصّايم
💙💙💙💙💙❤️💙❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
إنه قريبي وبيتي هـو بيته هـل تفهمـين معني أن يكون قريبي واغلق بابي في وجهه واخده من المطار إلى بيت العُزاب؟!
ويحتد اكثر مرددا
ثم ماذا تريدين أن يقول الناس هنا عني…
وامي وابي والأهل والجيران هناك..
هـل تريدنهم أن يقولوا إن زوجتي تسيرني وتختار عني من استضيفه في بيتي ومن لا
استضيف..
تجادله هي في تعب..
لكن هذا دينيا لا يجوز لن اكون. مرتاحة في وجود رجل غريب معي طوال اليوم خاصة وأن تعمل دوامين باصرارك هذا تتمسك باعراف وتقاليد غير سوية يرد هازئا وهو يتامل هيئتها..
وانتِ لا تعرفين انه قد نهى عن النمص ووصل الشعر والتبرج لغير الزوج.
هذه كلها أيضا تقليد وليست تقاليد لا تلوميني بأسم
الدين..
ثم ينهى الموضوع بأن قريبه سيقيم معهم وهذا آخر ما عنده
الخـطـايا الأنيقة
نفيسة زين العابدين
💙💙💙💙💙💙❤️❤️💙❤️❤️❤️❤️❤️
مقتبس من رواية : ( سيرة ناس)
دخلتُ على خالتي السُّرَّة في غرفة المستشفى، وجدتها جالسة ضاحكة، يشع نور جميل من وجهها الأسمر المكتظ ضحكًا ومرحًا، احتضنتني بقوة ثم أجلستني بجانبها كملكة توجت ابنها الأمير ملكًا للتوِّ.
تجازبنا حديثًا ضاحكًا، كنت أنا وهي وسحر ابنتها وجارهم عم الطيب. أخبروني أنهم سمعوا باحتفال أمسِ وكيف أنها لم توقف دعواتها لي حتى الأن، أخبرتني كم هي جميلة الصورة التي التقطت، على الفور أخرج عم الطيب الجريدة وعرض الصورة أمامي، رأيتها على صحيفة اليوم، الوزيرة تتوسطنا أنا وعم عبد الرحيم وموسى وحكومة وإبراهيم، و بعض الحضور ورئيس جمعية أصدقاء المسنين.
قالت لي خالتي السُّرَّة:
– والله من قبيل بقول لي الطيب شوف ضحكة الريس منورة كيف؟
عليك الله شوف ضحكتك، في حاجة مُفرحاك ماعارفاها شنو، بس حاسة بيك يا ولدي.
نظرت إلى الأرض في خجل من اعتاد ذلك، ثم رفعت رأسي بحُب نحوها وأخبرتها بحُبي للقادمين من رحم زوجتي وشوقي إليهم.
فقامت خالتي السُّرَّة فجأة واقفة على قدميها كأنها لا تعاني شيئًا، ثم أطلقت زغروتة طويلة كطول انتظاري لسعاد، زغروتة جميلة وكأن منبتها أعماق روح لا تعرف معنى الحزن، جاب ذلك الصوت كل أرجاء المستشفى، اخترق كل الجدران والغرف.
في أقصى المستشفى في عيادة بعيدة كانت اختصاصية القلب تضع سماعتها على قلب مريض فسمعت صوت السُّرَّة فكتبت له دواءه وأتت مسرعة.
بجانب غرفتنا كانت هنالك ممرضة تنظف جرح عميق لمريض سكري فقادهم الصوت الجميل نحونا.
مرافقو المرضى أتوا مسرعين كأن علاج مرضاهم عندنا.
ازدحمت الغرفة بالناس، غابة من البشر، أجِلتُ نظري بينهم لعلي أرى وجه سعد عبد القادر وسطهم.
تساءل الجميع في سعادة عن سبب الفرحة فأخبرتهم خالتي السُّرَّة، انطلقت زغروتة أُخرى من مرافقة مريض لا أعرفها، ثم انطلقت أُخرى من امرأة لم أرها من قبل، ثم انطلقت زغروتة ثالثة من طبيبة تحمل سماعتها على رقبتها، احتضنني أحد مرافقي المرضى كأني قريبه الذي تمنى أن يُشفى، صافحتني امرأة حامل وهي تضحك وتقول: «شد حيلك». فضحكت.
كبَر أحدهم كان قد جاء متاخرًا بعد أن علم الخبر وأهداني سبحة طويلة مستعملة.
تحولنا إلى أُسرة فجأة، الكل كان يتحدث عن الأمر وعن قصص مماثلة، وعن قُدرة الله، كنت أنظر إليهم وأسأل: من أي طينة خُلق السودانيون؟
من أي جينات تشكلوا؟
بل لماذا خلقوا؟
هل هم مثل باقي الشعوب؟
هل يعقل أن يلتقي أفراد شعب فجأة فيصبحوا في لحظات أسرة واحدة؟
هل هناك شعب مثلنا؟
كنت أنظر إلى وجوههم، الكل كان ينظر في عين الآخر في حب، وسلام، وأمن.
الكل كان يتحدث إلى الآخر ضاحكًا سعيدًا.
يا الله، ما أعظمنا!
كانت ألوانهم مختلفة، وكلماتهم مختلفة، ولهجاتهم مختلفة، ولكن لهم عين واحدة يبصرون بها، عين السوداني المحب.
إن الأعين نوافذ القلوب، فما أوسع نوافذ السودانيين إذا ما نظروا، وما أطيب قلوبهم إذا ما بذلوا وما أجمل قولهم إذا ما حكوا..
💙💙💙💙💙💙💙❤️❤️💙❤️❤️❤️❤️❤️
صدور رواية (زغرودة في حوش أبّا النَاير ) للروائي الكاتب والشاعر فضيلي جماع قريباً.
💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙💙
أمانـي هـانـم