Take a fresh look at your lifestyle.

مــدارات تـيــارات ملـــف ثــقــافـي أسبوعي.. أماني محمد صالح

(مــدارات تـيــارات) ملـــف ثــقــافـي أســبــوعـي يصـدر كل سبت
وشــعـارها يمكـنـنـا أن نـتـفـق بعـشـق…… ونــخــتـلـف بإحـــتـرام

ريــبـورتـاح

تــقـارير

حــوارات

إشراف /…أمـــاني مـحمد صالح

..🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

في العدد( 129) من مدارات تيارات في اليوم العالمي للمسرح اقلام تكتب عن المسرح

حيث.. نقرأ  لكل من

الاستاذ الطيب ابراهيم بانقا 

المسرح يعزز التواصل البشري 

وأماني محمد صالح 

اعطِني مسرحا اعطيك أمة

و كلمة سيدة المسرح العربي سميحة أيوب . 

ماهر حسن والمسرح في ظل الثورة

عن السرد 

محمد حسن المجمر.

السرد والنقد في السودان ذاكرة المغترب والحوار مع الأخر في مجموعة صحوة قلب للقاصة بثينة خضر مكي..

في القراءات
الناقد علي احمدعبده قاسم..
الحرب والإنسان في المجموعة القصصية في المقهى.. للقاصة نجلاء فاضل.
وفي القصة..
محاسن الجاك.. الوداعية..
في الشعر
امل ابراهيم لا أدري كم من الأعوام

مرت وانا ارقص 

وفي الاقتباسات..
اقتباس من رواية أوو نتجاتيف للكاتب المعز عبد المتعال سر الختم..
في الأخبار الثقافية.. عودة برنامج منتدي القصة باذاعة ولاية الخرطوم..
تدشين كتاب احاجي من السودان بمركز فيصل الثقافي..

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

المسرح يعزز التواصل البشري.. الطيب باتقا

اليوم العالمي للمسرح تم اقتراحه واعتماده من قبل الهيئة الدولية للمسرح ..
كان الاحتفال الأول  في 27 مارس 1962‪ م
وهو التاريخ الذي انطلق فيـه موسم « مسرح الأمم » في باريس لأول مرة ..
منذ ذلك الحين يتم الاحتفال في هذا التاريخ كل عام وفي كل أرجاء العالم باليوم العالمي للمسرح
وتفتـح كل مسارح الدنيا أبوابها بالمجان لرواد المسرح .
يهدف الاحتفال باليوم العالمي للمسرح للترويج لهذا الفن عبر العالم ولنشر المعرفة بين الناس حول قيمة المسـرح وأهميته .
ويسـعى فيه صناع المسرح للترويج لأعمالهم علی نطاق واسع ..  ويحاول المسرحيون في مجتمعاتنا المتخلفة مسرحيا لفت أنظار صناع القرار ليدركوا أهمية  وقیمة ھذه المسـرح ودعمه .
ومن أهدافه التمتع بفـن المسرح وتقديم أرقى العروض والسعي نحو الجمهور  .

فالمسـرح يُعزّز التواصل البشري .. 
فمن خلال حضور المسرحية يتشارك الإنسان هذه التجربة الفنية الفريدة مع الممثلين الذي يؤدون العرض .. 
يُحفّز المسرح الفرد على التفكير ورؤية الأمور من منظور آخر..
بمتابعةالأحداث تجد نفسـك أمام العديد من المعضلات الأخلاقية والاجتماعية التي تواجه أبطال العمل .
يُعرّي المسرح المجتمع .. ويُسهم في طرح القضايا بتجرد .
فهو يطرح المشكلات الاجتماعية ويقترح في المقابل الحلول لها ..
إنّ المسـرح منصة للدعوة نحو تغيير المجتمع تغييـرا نحو الأفضل .
تضيء الكثير من المسرحيات على قضايا المجتمع مهمة .. وتطرحها بأسلوب متجرد وحيادي. كما تقترح حلول لها .
يساعد المسرح على تعزيز الحوار الاجتماعي.. ويشجع على إحداث التغيرات الإيجابية في المجتمع.
يعتبر المسرح ظاهرة ثقافية مستقلة تنقد المجتمع وتلقي الضوء على أهم المشاكل الثقافية وتطرح حلولاً مناسبة لها .. ويتيح فرصة الاستماع إلى وجهة النظر المعارضة أو المختلفة.

العديد من الدراسات أهمية المسرح في مجال التعليم وقدرته كوسيلة تعليمية ولوحظت زيادة في مستوى التحصيل الدراسي للطلاب المشاركين في الأعمال المسرحية والمهتمين بالفنون المسرحية .
تحية لكل أهل المسرح في اليوم العالمي للمسـرح

الطيب إبراهيم بانقا

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

أعطِني مسرحاً اعطيك أمة

أماني محمد صالح 

إيمانا بدور المسرح في الفنون ودوره في تسليط الضوء على الكثير من القضايا في قالب كوميدي خفيف تحتفل الهيئة الدولية للمسرح في السابع والعشرين من كل عام بيوم العالمي للمسرح تفتح المسارح مجانا للجمهورحيث يتيح المسرح التواصل مع الجمهور مباشر ونقل قضاياهم .

وكان اول إحتفال بيوم المسرح العالمي ٢٧ مارس ١٩٦٢ وهو التاريخ الذي أطلق فيه موسم “مسرح الأمم” بباريس، ويهدف هذا اليوم إلى ترويج لفن المسرح في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى نشر المعرفة بين الناس حول التجارب الفنية، وكذلك تمكين مجتمعات المسرح والرقص الترويج لأعمالهم الإبداعية على نطاق واسع، حتى يدرك صناع القرار بقيمة هذه التجارب إيمانا بها، والتمتع بفن المسرح ذاته.

في. هذا العام اختارت الهيئة لكتابة رسالة يوم المسرح العالمي سيدة المسرح العربي الفنانة سميحة أيوب، لكتابة رسالة ليوم المسرح العالمي لهذا العام، احتفالاً بهذا اليوم الذي يعتبر عرس للمسرحيين

وجاء نص الرسالة كالتالي: “أصدقائي المسرحيين في جميع أنحاء العالم، أبث إليكم هذه الكلمة في ذكرى اليوم العالمي للمسرح، وبقدر ما يعتريني من شعور غامر بالسعادة أنني أتحدث إليكم، فإن كل ذرة في كياني تختلج تحت وطأة ما نعانيه جميعاً – مسرحيين وغير مسرحيين – من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار كنتيجة مباشرة لما يمر به عالمنا اليوم من صراعات وحروب وكوارث طبيعية كانت لها آثارها المدمرة ليس فقط على عالمنا المادي وإنما كذلك على عالمنا الروحي وسلامنا النفسي”.
وتابعت أيوب: أتحدث إليكم اليوم بينما ينتابني شعور بأن العالم بأسرة بات كالجزر المنعزلة، أو كالسفن الهاربة في أفق معبأ بالضباب، كل منها ينشر شراعه ويبحر على غير هدى، ليس يرى في الأفق ما يهديه، ورغم ذلك يكمل إبحاره آملاً أن يصل إلى مرفأ آمن يحتويه بعد تيه طويل وسط أمواج بحر هادر.
لم يكن عالمنا الواحد أكثر التصاقاً ببعضه البعض منه اليوم، إلا أنه وفي ذات الوقت لم يكن أكثر تنافراً وابتعاداً عن بعضه البعض منه اليوم. وهنا تكمن المفارقة الدراماتيكية التي يفرضها علينا عالمنا المعاصر. فرغم ما نشهده جميعاً من تقارب في تداول الأخبار والاتصالات الحديثة التي كسرت كل حواجز الحدود الجغرافية إلا أن ما يشهده العالم من صراعات وتوترات فاقت حد التصور المنطقي وخلقت وسط هذا التقارب الظاهري تباعداً جوهرياً تنئ بنا عن الجوهر الحقيقي للإنسانية في أبسط صورها.
إن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة. وعلى حد قول الرائد العظيم قنسطنطين ستناسلافسكي “لا تدخل المسرح بالوحل على قدميك. اترك الغبار والأوساخ في الخارج. تحقق من ترك مخاوفك الصغيرة والمشاحنات والصعوبات البسيطة مع ملابسك الخارجية – كل الأشياء التي تدمر حياتك وتلفت انتباهك بعيدًا عن فنك – عند الباب.” عندما نعتلي خشبة المسرح فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها في هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشي بعطرها مع الآخرين.
إن ما نقوم به في عالم المسرح كمؤلفين ومخرجين وممثلين وسينوغرافيين وشعراء وموسيقيين ومصممي كوريوجرافيا وحتى كتنقنيين وفنيين، كلنا بلا استثناء، إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل قبل أن نعتلي خشبة المسرح. هذه الحياة تستحق يداً حانية تتعهدها وصدراً حنوناً يحتضنها وقلباً حانياً يأتلف معها وعقلاً رزيناً يوفر لها ما تحتاجه من أسباب الاستمرار والبقاء.
ربما لا أغالي عندما أقول إن ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة فيضيئ ظلمة الليل ويدفئ برودته. نحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. ونحن من يوفر الأسباب لفهمها. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف. نحن من يعتنق مذهب الحياة لتدب في هذا العالم الحياة. ونبذل من أجل ذلك من جهدنا ووقتنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا وأعصابنا كل ما يتوجب علينا بذله من أجل تحقيق هذه الرسالة السامية مدافعين بها عن قيم الحق والخير والجمال ومؤمنين بحق أن الحياة تستحق أن تعاش.
أتحدث إليكم اليوم لا لمجرد الحديث أو حتى للاحتفال بأبي الفنون جميعاً “المسرح” في يومه العالمي وإنما لأدعوكم لتقفوا صفاً واحداً كلنا جميعاً، يداً بيد وكتفاً بكتف لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره أن ابحثوا في داخلكم عن الجوهر المفقود للإنسان.. الإنسان الحر السمح المحب المتعاطف الرقيق المتقبل للآخر ولتنبذوا هذه الصورة القميئة للوحشية والعنصرية والصراعات الدموية والأحادية في التفكير والتطرف والغلو.. لقد مشى الإنسان على هذه الأرض وتحت هذه السماء منذ آلاف السنين وسيظل يمشي فلتخرجوا قدميه من أوحال الحروب والصراعات الدموية ولتدعوه لتركها على باب المسرح لعل إنسانيتنا التي أصبح يعتريها الشك تعود مرة أخرى يقيناً قاطعاً يجعلنا جميعاً مؤهلين بحق أن نفخر بأننا بشر وبأننا جميعاً أشقاء في الإنسانية.
إنها رسالتنا نحن المسرحيون حملة مشعل التنوير منذ أول ظهور لأول ممثل على أول خشبة مسرح أن نكون في طليعة المواجهة لكل ما هو قبيح ودميم ولا إنساني، نواجهه بكل ما هو جميل ونقي وإنساني.. نحن ولا أحد غيرنا نمتلك القدرة على بث الحياة فلنبثها معا من أجل عالم واحد وإنسانية واحدة..

وفي السودان كان للمسرح دور كبير في نقل الفنون والثقافات في وطن يمتلك ثقافات وعادات وتقاليد متنوعة يمكن للمسرح والفنون عكسها للجمهور  باسلوب كوميدي مقبول وتكون أداة للعلاج للكثير من المفاهيم المغلوطة وتثقيف الجمهور بعروض مسرحية لها رسالة تجاه المتلقي ليست مجرد عروض للضحك والرفاهية

كان بداية العمل المسرحي في السودان في العام 1902 ‘ وكانت نكتوت هي أول مسرحية تم عرضها وتمت كتابتها بواسطة الكاتب السوداني عبد القادر مختار وفي الفترة ما بين 1903 ل 1915 كانت هنالك محاولات للتاليف المسرحي بواسطة إبراهيم العبادي وفي العام 1918 قام نادي الخريجين بتكوين مجموعة جماعة صديق فريد للمسرح.

أعمال مسرحية سودانية.
مسرحية اكل عيش 1967
مسرحية الفي راسه ريشة
مسرحية عرس أبو الدرداق
مسرحية تاجوج

مسرحيين سودانيين.
إسماعيل خورشيد – أحمد عاطف – يس عبد القادر – عثمان حميدة ( تور الجر) – الفاضل سعيد – مكي سنادة – تحية زروق – فائزة عمسيب – الرشيد أحمد عيسى
بلقيس عوض محمد نعيم سعد
جمال حسن سعيد وغيرهم من المسرحيين نتمني ان يعود المسرح إلى سطوته وبريقه في السودان فهومرآة للكثير من القضايا الوطنية والاجتماعية والنعرات العنصرية التي أدت إلى للصراعات كثيرة في السودان؛ للدور المسرح الكبير وجدت محاربة شديدة من الأنظمة الديكتاتورية؛ نتمني أن ننعم بحرية تتيح للمبدعين من المسرحيين للإبداع وعكس قضايا الوطن من خلاله بكل شفافية.. 

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 

المسرح فى ظل الثورة
ماهر حسن سيد
من المتفق عليه وسط جوقة المثقفين والفنانين ان الفنون كقيمة معرفية وترفيهية تذدهر فى العهود الديمقراطية والسودان خير شاهد على ذلك .
وذلك يرجع الى ان الفن كائن يتنفس فى الحرية وينمو طبيعياً فى رحاب مساحاتها وتقبُلها وكثرة منابرها النظرية والعملية .
المسرح لا يختلف عن بقية الفنون المحتاجة الى حرية لكى تبين وتؤثر ايجاباً على المجتمع. ولخصوصيته الفريدة فهو الاكثر تضرراً فى العهود العسكرية والقمعية ، ودائماً ما تحاول السلطات العسكرية توظيفه لخدمة اغراضها وقد تجد من يساعدها فى ذلك من جموع الدراميين فينبتون مسرحاً مشوهاً وخالى من القيم والاثر الاجتماعى الحقيقى الذى يصنعه المسرح عندما يكون حرا طليقاً .
هذه المقدمة تقودنا الى رؤية المسرح من زاويته التى جُبل عليها منذ النشأة الاولى لهذا الفن النبيل ، من قبل الميلاد فى ارض اليونان ذات الاساطير والحروبات والاعياد العديدة والتى اصبحت مرتعاً خصباً لظهور فن المسرح كوسيلة ترفيهية تعليمية تدعو الى الجمهور التَطهُر و النقاء فى نهاية العرض من الآثام والخطايا وكأن العرض المسرحى صلاة من الصلوات الدينية استمر هذا الشكل طويلا وتطور المسرح وظهر المؤلف وتنوع الاداء من ممثل واحد الى ظهور الممثل الثانى على خشبة المسرح ثم ظهور الجوقة وفى كل مرة يذداد الحماس من المؤدى وينتقل هذا الحماس الى الجمهور ليفعل فعل السحر فيه .
مر المسرح بالفترة التى تلت العهد الاغريقي الى فترة العصر الروماني واستمرت العروض المسرحية التراجيدية والكوميديا ، محافظة على تقاليد الوحدات الثلاثة وهى البداية والوسط والنهاية او الذروة، ثم كانت العصور الاوسطى الاوروبية وسيطرة الكنيسة على مقاليد الامور السياسية والاقتصادية فتحول المسرح الى اداء من ادوات النبلاء والقياصرة وانحصر دورهم فى الترفيه والتهريج وتقديم الالعاب غاب الفعل الدرامى المحبوك وظهرت بما يشبه فرق النكات كمال فى هذا عصر حكومة الانقاذ فما أشبه الليلة بالبارحة .
والعصر الذى تلى ذلك المسخ المشوه من الفنون المسرحية كان عصر النهضة والعصر الاليزابيثى وبدأت الحياة المدنية تنتعش بعد ان تم حصار الكنيسة فى رقعة ارضية صغيرة تسمى الفاتيكان. جاءت الفتوحات العلمية والمعرفية فتطورت الصناعة وعم روح الاكتشاف كل الارجاء الاوروبية فكان لزاماً ان ينهض المسرح مع روح ذلك العصر من تقديم العروض التهريجية الفردية الى رحاب الانسانية المشبعة بالقيم المعرفية الجديدة . ظهر العظماء من كتاب المسرح من بين هذا الزخم المعرفى يحكون عن الحكايات والاساطير فى شكل حوارات درامية مشوقة يقدمونها بكل تفاصيلها الفنية من اكسسوارات وازياء . فعرف فن المسرح الاذدهار واصبح له المكانة السامية فى قلوب الجمهور . وتوالت الفتوحات المسرحية وعمت كل ارجاء المعمورة وانتقل المسرح الى قلوب شعوب الارض كعدوة لذيذة تصيب الافكار وتبعث النشوة والفرح فى القلب. ظهر المدارس الفنية المسرحية تحمل هموم تقديم الجديد والمثير لجمهور اصبح متعطشاً لهذا الفن الراقى النبيل . تشعبت المدارس فى مجال التمثيل والاخراج والتأليف كانت تتنوع من اجل تطوير الفن المسرحى مرعاة تطور المجتمع فى نواصيه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
ومازال المسرح يتجدد ويواكب روح الانسانية ويلهث من اجل تقديم كل ما هو مدهش فنياً ومعرفياً حاملا ادواته وتقاليده التى عرف بها منذ القدم .
فن المسرح هو فن التواصل المباشر بين المؤدى والجمهور فكان لهذا التميز فعل السحر عند الممثل والمتفرج على السواء, فكيمياء هذا التفاعل المباشر ، تظل راسخة فى الممثل المؤدى وهو يبدع الشخصية الفنية ، والجمهور الذى يحب هذه الشخصية وينفعل معها..
من هذا السرد المختصر عن مسيرة فن المسرح نجد ان الفن الدرامى هو فى الاصل ثورة فنية تطورت مع مرور الزمن من شكل بسيط يؤدى بواسطة ممثل واحد( منولوج ) الى ( الدايلوج) وهو فن الحوار القابل للاخذ والعطاء وتعددت بعد ذلك اشكال الحوارات ودخلت الموسيقى والمؤثرات ولغة الجسد والرقص تعبيرى . وكل اشكال السونغرافيا من ضؤ وديكور ولون ليطفى على الاداء الواقعية الخلاقة المطلوبة وتقريب صورة الاحداث وحبكتها فى قوالب خلاقة لاطفاء الدهشة والتشويق .
وليكى يكون المسرح موجوداً فى الثورة عليه ان يصبح مسرحاً طليعياً .
ما معنى الطليعية فى المسرح وكيف تكون ؟ علينا من حيث المبدأ ان نتعمق فى واقعنا وذواتنا ونتبين مأساتنا وجرحنا وان نحسن التعبير عنها من اجل التاثير والقدرة على تجديد الانسان لمواجهة اعبائه ومسؤولياته . فالمسرح اداة ثورية بالغة الاهمية فى تجاوز التمزق والتخلف . فالطليعية فى المسرح تكون بمدى ارتباطه بقضايا الجماهير والاستمرارية فى ذلك لخلق خبرة تراكمية . ان عدم وجود استمرارية فى المسرح السودانى نابع من ان مسرحنا عبارة عن محاولات فردية يقوم بها كتاب فرديون يعبرون عن ثقافتهم الخاصة ومزاجهم الفردى دون يشكلوا تيارا عاما جديدا يمكن وصفه بانه مسرح سودانى . لذلك كان الشوق دوماً لمسرح عموم أهل السودان. وليتم ذلك لابد من منهج للفن المسرحي كالعلم تماما و هذا المنهج يحتاج ان يوطد ليتشكل منها لبنة اساسية لاقامة ذلك الصرح المسرحى الكبير. المنهج العلمى يعرف من اين يبدأ والى اين ينتهى دون اى احتمال للخطأ . هذا لا ينفى وجود الخبرة والتجربة ولكنها تظل محدودة الاثر لهذا اهتمت الدول بمعاهد الفنون وسخرت لها الامكانيات ..
المسرح فى زمن الثورة هى ثورة اخرى على الكثير من الرؤى السابقة لفن المسرح وقدرته الغير محدودة فى التغير الاجتماعى ، تبدأ هذه الثورة من المؤلف الذى يكتب الاحداث والممثل يطفى الحياة على تلك الاوراق المكتوبة بعناية ثم يأتى دور المخرج الذى يقود فريقاً من الفنيين الى كتابة لوحة متكاملة من الاحداث المتحركة بكل بهاءها الفنى الخلاق الى جمهور متعطش الى التفاعل والانصهار مع الاحداث بكل حواسه وفكره وتجربته

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺.

 

السرد_والنقد_في_السودان
ذاكرة المغترب والحوار مع الأخر المختلف في مجموعة( صحوة قلب ) للروائية والقاصة بثينة خضر مكي

الناقد : محمد حسن رابح المجمر

تناولنا بالأمس بالقراءة والنقد في برنامج منتدى القصة باذاعة ولاية الخرطوم بعض قصص مجموعة( صحوة قلب ) للقاصة والرائدة الأستاذة بثينة خضر مكي المعنونة بإسم ( صحوة قلب ) مثل قصة ( الخواجة ) و( حرامي كتب ) و ( جنون الكتابة ) و ( روائح عطنة ) وغيرها .

تكشف مجموعة ( صحوة قلب ) عن عوالم شردية مختلفة ومغايرة من حيث طبيعة المكان وثقافته ، في قصة ( حرامي كتب ) ندخل في جو الحترة المصرية حيث يتداخل الإجتماعي مع الثقافي وتفكك تجربة الحوار مع الأخر المختلف ، وتكريم قصة ( الخواجية ) لهذه الرغبة الكبيرة في التعرف للاخر وفك طلاسم بعض خفايا ودوافع سلوكه الاجتماعي .

وربما تقودك هذه المجموعة القصصية للبحث عن قصص أخرى كثيرة ابدعتها الأستاذة بثينة خضر مكي مثل : النخلة والمغني وأشباح المدن واطياف الحزن واهزوحة المكان وغيرها ، وهي أعمال سردية رائعة كتبت باحترافية عالية وإزدانت بمضامينها الإجتماعية والثقافية الكبيرة ، ونأمل أن تتم دراستها كمشروع سردي متكامل يغطي ما يزيد عن نصف قرن من تاريخ بلادنا الإجتماعي والثقافي .

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 

 

الحرب والإنسان
في المجموعة القصصية *”في المقهى”*
للقاصة / نجلاء فاضل.. 

علي أحمد عبده قاسم
كاتب وناقد

قد تقرأ قصة أو رواية وينتابك الملل، وأحيانا يعتريك سأمٌ وتضجرٌ لما تشكل أحداث تلك القصة من رتابةٍ واستهلاك للأفكار، فلا جدة ولابراعة سردية، ناهيك عن اللغة المعتادة مما يفضي إلى خلق علاقة نفور من تلك القصة وذلك العمل.
لكن حين تقرأ المجموعة القصصية ( في المقهى) للقاصة / نجلاء فاضل تأخذك القصة بقوة سردها وعمق لغتها، وتناول الفكرة بطريقة جاذبة، من حيث تسلسل النص المترابط وأحيانا تشك بأنك أمام رواية متكاملة على الرغم أن المجموعة عدة قصص مترابطة بفكرةٍ ما.

أولا: العنوان:
جاء العنوان من جملة واحدة ( في المقهى) وهي جملة مكثفة فهي تعني :
– في مكان اسمه المقهى
– أو في داخل المقهى
– أو في وطنٍ روحيّ هو المقهى .
وإذا كان المقهى هو المكان الذي يرتاده مجموعةٌ من الناس إما لشرب القهوة، أو لقضاء وقت مع أنفسهم يخلون بأنفسهم بحثا عن الهدوء والطمأنينة والسعادة.
ولكن لماذا جاء العنوان ( في المقهى) ؟
يلحظ من السرد في ثنايا النصوص أن المقهى:
– مكان للخلوة بالنفس ومكان لاجترار الذاكرة.
– المقهى جمع أصناف الشخصيات، فهو صورة للفرح وللمآسي، وللوطن المكلوم بوصفه مكاناً للبوح عن الفرح والسعادة والآلام، ومكاناً يختزل المآسي، وتلتقي فيه أصناف المجتمع فهو صورة للوطن، ولمعاناة الذات وللخيبات، واجترار الذاكرة. ومن النص:
(١) يقول السرد:
*( يضع أمامي فنجان القهوة ثم يقف وعيناه تسرحان فيما أكتب، وحين أطوي أوراقي وأنظر إليه معاتبة له على تطفله، ثم يستدرك ويقول:*
*- هل ترغبين بشئ آخر ياآنسة؟*
*- لا شكرا لك يمكنك الانصراف.*
*مشهد يومي يتكرر في هذا المقهى، في الركن الذي تتكور فيه روحي، وتأوي إليه كل مساء مثل غارٍ أنقطع فيه عن ضجيج الحياة في الخارج إلى ضجيج الذكريات في داخلي)* ص٩
ومما سبق يلحظ أن القاصة لخصت دلالة العنوان من خلال وظيفة المكان لا سيما والمكان فيه مشاغبة للروح، سواء من حيث اجترار الذكريات والخلو بالنفس، أو من خلال مشاغبة الشخصية الأخرى( النادل) التي بدت متطفلة لكنها محببة،
فالمكان: المقهى في الركن الهادئ الذي تخلو الذات بروحها *( تتكور فيه روحي كل مساء مثل غار)*
– جاءت صورة المكان (المقهى ) لاستعادة شريط الذكريات سواء كانت سعيدة أو مؤلمة فهو مكان الخلوة بالروح والحديث معها *( أنقطع عن ضجيج الحياة في الخارج إلى ضجيج الذكريات في داخلي)*
وبذلك مثّل المكان فضاءً للتنفس، وللخصوصية والهدوء بضجيج الذاكرة، وهو مكان للبوح والتنفيس، والهروب من الواقع ومآسيه.
وإذا تأمل القارئ النصوص يلحظ أنها حملت أفكارا وقضايا وهموماً إنسانية كبيرة، وكان همُّ المرأة وقضاياها في الأولوية ومنها :
١- الآنسة والأرملة:
قدمت المجموعة أو الخطاب هذين المفهومين بشكل موجع ومؤلم وتناقض المهفومين، وتباين فهم المجتمع وصورة كل مفهوم في الذات وفي المجتمع، لترسم النصوص في خطابها السردي معاناة المرأة فإذا كانت ” الآنسة” الفتاة العزباء التي تتزوج ولم ترتبط فإن “الأرملة ” : ( المرأة التي فقدت زوجها وبيتها أو أخفقت بالاستمرار في الحياة الزوجية لأسباب ما)
فإن هذين المفهومين والمتحولين ( الآنسة ، الأرملة) رُسِما بألم وبعمق، وعكست صورة الأرملة ألما ووجعا *( لم أرد إخبار النادل أنه قد سبق لي الزواج وأن زوجي رحل عن الحياة باكرا، لم أرد إخباره أنني أرملة، ليس لانتشائي بلقب” آنسة” بل لأني أمقت اسم ” أرملة” يشي بالضعف والعجز والحاجة الشفقة….. يكفي أن الحياة لفظتني في سني عمري الأولى فحملت على عاتقي الصغير لقب” يتيمة”)* ص١١
فالخطاب السردي يعكس الأهمية للرعاية والإهمال في الوقت، ويعكس نظرة المجتمع إلى الأرملة بأنها تلك المرأة المحتاجة إلى الشفقة ولم تعد كاملة بل امرأة موضوعة في خانة الخسارات والإهمال وربما ينظر إليها بلا حماية وبلا رعاية فهي بلا أسوار، فثمة معاناة وآلام نفسية تعود على المرأة بسبب لقب ” أرملة” و”يتيمة” فلم تعد الآنسة العشيقة والمخطوبة والتي مازالت تمتلك كل مؤهلات الأنوثة التي خسرتها الأرملة، حد أن الأرملة لم تعد تلفت الأنظار كالآنسة.
فالأرملة في ظل نظرة المجتمع هي تلك المرأة التي تثير الشفقة وتعد بلا سند وبلا حماية وربما محل أطماع الذئاب.
ويتكرر لفظ ” أرملة ” في السرد *( مات أبي في سبيل الوطن ولم يحظ بلقب ” شهيد” حتى أولئك الذين أراد لهم حياة كريمة أطلقوا على منزله “بيت الأرملة” )* ص١٢
فثمة تحول لمن ضحى بنفسه من أجل الوطن فبيته الذي يفترض أن يطلق إليه بيت الشهيد أطلق عليه ” بيت الأرملة”.
وإذا الأرملة هي المرأة الوفية العصامية لأنها تتكئ على قدراتها وكأن السرد يشير أن الأرملة أوفى من بعض الناس في المجتمع *( ظلت أمي تبكي لسنوات لأنها لم تستطع اقتراض مال لتصنع شاهد قبر لأبي يليق بتضحيته.)* ص١٣
وبذلك عكس السرد صورة للأرملة الوفية على الرغم من صورة التخلي والتنصل عنها، والسرد يرغب بتغيير النظرة إلى المرأة الأرملة ويعكس السرد أن للمراة قدرات تستطيع من خلالها التأثير والفاعلية فضلا عن صورة زائفة ومؤلمة للمجتمع، وحتى في ظل التضحية في سبيل الوطن.
أما قصة (النادل) فإنها مجموعة من النصوص والتي تتناول فكرة الخيبة واليأس في ظل الحرب سواء كانت الخيبة وغياب الأمل في التعليم الذي فشخصية ( النادل) شاب أكمل دراسته الجامعية ولم يتحصل على وظيفة، فاضطر للعمل في المقهى، وهناك واجه خيبة جديدة، وهي خيبة التعلق بتلك التي تأتي كل يوم لتكتب شعرا في زواية من المقهى، واتصف ذلك بالحب البرئ الذي لم تسبق له تجربة سابقة وحب من طرف واحد، فقد أحب في المقهى تلك الأرملة بكل تفاصيلها وأشيائها *( إذا أحببت شخصا فستجد نفسك تحب مايحبه وهذا ماحدث فعلا حين أحببت القهوة المرة لمجرد أنها تحبها)* ص٢٨
ولأنه حب بلا تجربة وبرئ يقول السرد *( لم يسبق لي أن عرفت من الحب سوى تلك التجارب الساذجة في القرية ..شعرت أني مسكون بها مصاب حد التوعك بحبها)* ص٣٢
ليس فحسب فقد أحب القصيدة *(لطالما تعمدت أن أضع قهوتها بجانب ديوان الشعر الذي تنهمك في كتابته، تستهويني فكرة قهوة وقصيدة)* ص٢٧
وأحب الوشاح والطاولة والأوراق *( ذلك الوشاح الأسود الذي يلف بياض وجهها فتزداد جاذبية وأناقة)*
أحب ملامحها *( أما النظر إلى عينيها، فكان يتطلب شجاعة لا أمتلكها)* ص٢١
وأحب حتى الطاولة *( يخيل إليّ أن تلك الطاولة تقف في كبرياء وتعالٍ)* ص٣٣
فالنص يسرد خيبة الأمل بالحب، ويستقصي الأعماق النفسية للشخصية، فهذا يسرد خيبة الأمل بالحب والتجارب الفاشلة للحب البرئ من بعض الشباب، ويأخذ قضية خيبات التعليم بعد التخرج *( أخبرت والدي بأنني سأتجه إلى عاصمة البلاد لأبحث عن عمل يليق بي بعد إتمامي الدراسة الجامعية)* ص٣٢
ووسط الخيبات يأخذ النص الطبقية والعيب من بعض الأعمال فالقبيلي لايعمل نادلا في مقهى *( ليس أمرا مقبولا في عرفنا الريفي أن تعمل نادلا في مقهى)* ص ١٢
وفي نسفات النصوص يعرج النص السردي على دور المنظمات في ظل الحرب والتي تتاجر بالحرب ليستفيد العاملون *( حدثوني كثيرا عن المنظمات التي تنبت في زمن الحرب؛ ظاهرها الوقوف مع الضحايا وتقديم الدعم، وباطنها يود لو يستطيع أن تمتد هذه الحرب أكثر وأكثر)* ص٢٨
من الملاحظ أن قصة النادل تناولت قضايا متعددة منها:
– خيبات العلم فالشاب النادل خريج الجامعة بشهادته العليا يعمل نادلا في مقهى ولم تفده الشهادة العليا.
– خيبات الحب فالشاب النادل ذابت روحه حبا وغراما بحب برئ طاهر بلا تجربة سابقة ولسوء حظه كان الحب من طرف واحد، وهو حب صامت وأصيب به مع فتاة لم تعد تعير الحب اهتماما، وأوضحت القصة من خلال الدلالات أن الشاب بلا سند اقتصادي يمكنه من ممارسة الحياة، وتلك المرأة بلا سند إقتصادي وقوة عائلية تحميها كالأب والزوج.
– عرجت النصوص على العادات والتقاليد فالشاب يخشى أن يراه أحد من المعارف وهو يعمل نادلا فيعد ذلك في عرف بعض العادات القبلية عيبا ومهانة.
ليحيل الخطاب أن المجتمع هو من يجني آثار الحرب على المستوى الاقتصادي والوظيفي والعائلي الأسري وحتى العاطفي، وفي الجانب الآخر هناك تجار يستفيدون من الحرب واستمرارها كالمنظمات التي تدعي إنقاذ ومساعدة المواطن وهي تتاجر بمعاناته وتستفيد من تلك المعاناة وتعمل على استمرار الحرب.
تناولت النصوص أيضا ( الشاب المغترب) الذي هاجر نحو تحقيق الحلم والأمل فالتقى بالخيبة يتضح ذلك من خلال مراسلة شخصية الشاب لأمه التي توفيت وهو غائب في الغربة، فكانت أول خيبة وألم فقد الأم بالاغتراب ومن تلك المراسلة اتضح مايلي:
– العلاقة المتناقضة بين الشباب والوطن برغم حبهم للوطن فالوطن لم يحقق أحلامهم *(مساء الخير ياأمي .. أكتب إليك رسالتي لأخبرك بأني عدت، عدت ياأمي إلى وطن يضن بلقمة العيش على أبنائه ويجود بها مغموسة بالشهد لناهيبه)* ص٥١
وتتضح العلاقة المتناقضة بالانتماء والحب مابين الشاب وطنه *( كبرنا ياأمي ونحن نلعن الانتماء للوطن ونرجو أن ننتمي لسواه)* س٥١
وبرغم تلك العلاقة إلا أن الوطن راسخ متجذر في أعماق الذات *( لم يحدثني أستاذ الرياضيات لماذا يجب علي أن أدرس؟ ولم يقل لنا يوما أن الوطن بين أحشائنا وليس بإمكان أحد انتزاعه)* ص٥٢
هذه الشكوى من الشاب الذي يوجهها رسائل إلى أمه المتوفاة ومن خلال الخطاب يلحظ المتلقي حجم المعاناة التي يكابدها في ظل الحرب فالخيبة لاحقته في الوطن، فترك أمه الوحيدة وترك وطنه الأم، لعله يحقق الحلم وترك الدراسة والعلم أيضا، فالخطاب من خلال السرد يعكس مقدار المعاناة والفقد وضياع الأحلام داخل الوطن وخارجه وليس على مستوى المغترب الشاب بل على كل المستويات التي تماثله *( أعلم ياأمي كم تجرحك همهمات نسوة القرية، بأنك لم تقومي بتربيتي، إلا أن أبناءهن لحقوا بي، وضاعت بنا الدروب سويا)* ص٥٣
وإذا الخطاب في النص ينفر من الغربة والاغتراب لا سيما والاغتراب يعني فقد الأهل والأحباب وفقد للوطن واحتراق للذاكرة فهذه جوانب للمعاناة النفسية أما المعاناة الأعمق التي جاء بها خطاب النص “عودة المغترب” وعند عودته يتفاجأ برحيل أمه ليس ذلك فحسب، بل إنها وهبت المنزل لحفار القبور أو حارس المقبرة ثمنا للقبر والكفن، ليحيل إلى تمزق العلاقات الاجتماعية وقسوة الحياة وصورة الفقر الذي وصل إليها المجتمع، وثمة سخرية في دلالة أن يهب الميت منزله لشراء منزل الآخرة، ويعود المغترب الشاب إلى وطنه فاقدا للمأوى ولحنان الأم وللوطن الأم فهو أشبه بمتشرد داخل الوطن وغريب داخل البلد *( عندما عدت يا أمي أضعت الطريق إليك …. وحين وجدت الطريق مصادفة، أخبرني حارس المقبرة إنك وهبت له المنزل مقابل قبر وكفن)* ص٥٤
أما بالنسبة إذا تحدثنا عن الراوي أو السارد في المجموعة فإن في نصوص ( قهوة وقصيدة ) سيطر عليها الراوي العليم وهو الراوي الذي معرفته أكثر من الشخصيات فهو يعرف ماضيها وحاضرها وتفكيرها ويعرف ما تفكر ويتضح ذلك من خلال وصف علاقة البطلة بشخصية النادل وجاء السرد بضمير الغائب *( يضع أمامي فنجان القهوة ثم يقف وعيناه تسرحان فيما أكتبه)*
وإذا كان ضمير الغائب يجعل من السارد مشاركا في الأحداث وعليما بنفسية الشخصيات وحتى بأفكارها *( لايراني سوى النادل الذي تعمدت اليوم أن أريه خاتم زواج في يدي حتى يكف عن مناداتي بالآنسة)* ص١٨
وإذا انتقلت القراءة إلى نصوص( النادل) فقد جاءت بضمير الأنا الذي تتساوى فيه معرفة السارد بمعرفة الشخصيات *( في كل مرة أقف متطفلا إلى الأوراق التي تنهمك في كتابتها كانت تطوي الأوراق معاتبة إياي على تطفلي)* ص٣٢

وإذا كانت تلك نظرة سريعة في الزواية التي نقل فيه الراوي إما بالرؤية من خلف أو الرؤية معا، فإن المهم في هذه المجموعة أنها أصدرت كمجموعة قصصية قصيرة ولكنها قصة في قصص وأيضا أهم ما يلفت فيها التقاط القضايا الكبرى كمثل قضايا المرأة( الزواج، الفقد، الأرملة الآنسة، الحب من طرف واحد، والحب والحرب، والاغتراب والخيبة، والتهميش والتشرد وتضحية الأم، وصراع المواطن بالحلم بوطن مستقر) تلك قضايا كبيرة وجاء ضمن بناء القصة اللغة السردية العالية والخيال والوصف والذي ينم عن قاصة لا تهتم بذاتها ومشاعرها، بل تهتم بهموم الإنسان وقضايا الحياة وهموم الإنسان، وفي ثنايا السرد جاءت لقطات مدهشة ونهايات صادمة تقترب من القصة القصيرة جدا، بل نصوص قصيرة جدا منها:
*(مات أبي في سبيل الوطن، ولكنه لم يلحظ بلقب شهيد حتى من أولئك الذين أراد لهم حياة كريمة، فأطلقوا على بيته بعد رحيله بيت الأرملة)* ص١٢
– ويأتي في التي تلي ماسبق: *(هل كان الوطن كذبة، أو أسطورة تستجلب القرابين على مذابحها؟ ألا يمكن ان نعيش على هذه الأرض على إتساعها دون اسم” وطن” )* ص١٣
وحين يعود الشاب ليسأل عن قبر أمه عند حارس ياتي السرد بالموجع:
*(سألت حارس المقبرة وأنا أتجول بين القبور عن مكان قبرك فأجاب أنه لايدري وقال لي: إن ذاكرته قد ابيضت شأنها شأن الأكفان التي ينسجها كل يوم )*

قرأت كثبرا من المجاميع القصصية ومما أدهشني هذه المجموعة الجادة والتي كلما قرأتها تسيطر على عقلك قراءة جديدة لها.

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

الوداعية.. محاسن الجاك

حاجة آمنة سيدة تخطت الخامسة والستين من عمرها ، ذكيةٌ وحصيفةٌ ،أكسبتها الحياة خبرةً وآسعةً في حل الأزمات المستعصية فصارت ملجأ لأهل القرية فيما استعصى عليهم من أمر .

سعدية جميلة القرية متزوجة من عبدالعزيز إبن عمها ولها من الأطفال ثلاثة ، ولدين وبنت إلا أنّها كانت تعرف ما تمتلكه من سحرٍ نافذٍ جداً ، وكانت ذات تأثير قوي في نفوسِ كل رجال القريةِ حيث كانت تتبعها العيون حيثما حلت وأينما ذهبت .
كان عبد العزيز يعيش هذا الواقع ويحس بالغيرة والمرارة كلما خرجت زوجته من المنزلِ ولكنهُ ما كان يستطيع منعها من مجاملةِ أهل القرية لانهم أهلهُ فكل القرية تنتمي إلى عائلةٍ واحدةٍ كبيرةٍ وممتدةِ الصلات.

كان بالقريةِ مشروعًا زراعيًا يعمل به معظم أهل القرية ومن ضمنهم عبد العزيز ،عندما خضع المشروع للإصلاح والتوسعة جاء من العاصمة الباشمهندس الزراعي عاصم ، كان سمح الخلق طيب المعشر فأحبه أهل القرية ولذلك كان يؤم معظم المناسبات بدعوةٍ كريمةٍ من اصحابها.

يوم زواج أُخت سعدية كان عاصم أحد الحضور وكان اليوم الأول الذي يرى فيه سعدية ، أحس أّنّهُ يرى ملاكًا يمشي على قدمين وليس بشرأً، لم يصدق عينيهِ وهو يرى هذا الكم الهائل من الجمال والفتنة والبساطة فصار يرصدها بعينيهِ أينما ذهبت.
أحست سعدية بالعينين النهمتين وبحس الانثى الطاغي فيها اتجهت بأحاسيسها تجاه الشاب الولهان … شعرت بما لم تحسُ به من قبل مع أحد شباب القرية فهو متعلم ومثقف بالإضافة لمظهرهِ الوسيم .. أحست بأنوثتها الطاغية وأشبع هذا الشاب كل الغرور الأُنثوي الكامن داخلها فأجج مشاعرها.

صارت سعدية تتعمد اللقاء به في أنحاء القرية إلى أن توطدت العلاقة بينهما وصارا لا يكادان يغيبان عن بعضهما ، غابت سعدية عن كل ما حولها وصار حبها لذلك الفتى هو شغلها الشاغل … بدأ همس النسوة في مجالسهن يرتفع ويعلو إلى أن سمعت أُخت عبد العزيز بالأمر فذهبت غاضبةً إلى أخيها توبخهُ لتفريطهِ في أمر ابنة عمهِ.

صُعق عبد العزيز وحزن حزنًا شديدًا وقرر التحدث إلى زوجتهِ في الأمر فناداها وأجلسها قائلا : (تعالي يا سعدية عاوزك في موضوع مهم )…
فأجابته : (أنا زاتي عاوزاك في موضوع ..لكن اتكلم قول عاوز شنو ..)
فرد : (لا خلاص كدي قولي كلامك ..)
فقالت سعدية ببرودٍ شديدٍ : (عاوزاك تطلقني ..!)
فصاح عبد العزيز ) قلتي شنو يا سعدية ،إنتي جنيتي يعني كلام أُختي القالتو دا صاح إنتي بتقابلي الباشمهندس ).
فردت سعدية : (والله يا ود عمي ما عارفاها قالت ليك شنو ..لكن أنا ما غلطت مع الراجل وعاوزاك تطلقني) ….
قال عبد العزيز : (انا عارفك ما بتغلطي عشان كدا ما صدقت الكلام ….
خلاص بكرة بديك الرد حقي).

ذهب عبد العزيز من فورهِ إلى حاجة آمنة وحكى لها القصة وهو متحسر ومتألم .
فأخبرته حاجة آمنه بأنها ستعالج المشكلة وطمأنته أنّ سعدية لا يمكن أن تخرج من جلدها وتفضل عليه ولد غريب لكن هي فورة شباب وغرور بجمالها وإنبهار بشخصيةِ الباشمهندس وهي التي لا تعرف القراءة والكتابة .
خرج عبد العزيز وهولا يكاد يرى أمامه من ضيقهِ واتجه صوب الترعة وجلس في حافتها يضرب أخماس الأسداس .. فهو يعشق بنت عمهِ ومتأكد من أصلها الطيب وكذلك يحب أولاده ولا يريد تشريدهم وسأل الله كثير أن تستطيع حاجة آمنه حل المشكلة.

دعت حاجة آمنة نسوة الحي لجلسة القهوة المرغوبة جدًا منهن في بيتها وحرصت أن تحضر سعدية معهنَّ .. بدأت الجلسة بعد صلاة العصر ودارت فناجين القهوة اللذيذة ،المنعشة بينهنَّ وصرن يتجاذبنَّ أطراف الحديث والحكايا … فأحضرت حاجة آمنة ودعاتها التي طآلما حلّت بها مشاكل مستعصية … وقالت لهنَّ: (ختن بياضكن الليلة الودع محضور )…
فصاحت النسوة: دستوووووووووور )
وأخرجت كل واحدةٍ منهنَّ مبلغًا زهيدَا من المال ووضعنه على الأرض .. وبدأت حاجة آمنة رمي الودعات … فبشرت هذه بأن ابنها في طريقهِ إليها من بلدِ الغربة قريبًا ، وحذّرت تلك من أنَّ خلافها مع أخيها قد يخسرها كثيرًا ،وتحدثت عن المطرِ وأنّه سيكون وفيرًا هذا العام ، كانت تدير هذه الجلسة ببراعةٍ تامةٍ وبمظهرٍ عاديٍ .
و فجأة ًبحلقت حاجة آمنة في الودعات وعدّلتها بطريقةٍ معينةٍ ونظرتْ صوب سعدية بهلعٍ شديدٍ ثم أخذت الودعات من الارضِ بسرعةٍ شديدة ٍوأعادت إلقائها ثم بحلقت فيها بنفس الهلع وجمعتها سريعًا وألقتها مرةً أَخرى … ثم صاحت بصوتٍ حادٍ جدًا سجمي يا بتي أريتو حمدك حمد السواد …. لاحول ولا قوة الا بالله ..تلاااااتة مرات يتحمدك) ….
فأنتفضت سعدية صائحة : (في شنو يا خالتي ..؟؟)
فردت حاجة آمنة … (عقرب الشوم والرماد … عقربًا صفراء وكبيرة إندست في فراشك يا بنتي )….
ثم أمسكت بالودعات ورمتها وراء ظهرها بحركةٍ بارعةٍ جدًا …ساد الهرج والمرج بين النسوة وأخذنَّ ينظرنَّ إلى سعدية بإشفاقٍ شديدٍ وهنَّ يهمهمنَّ ببعض الكلمات … : (أريتا عين السواد يا سعدية …عين وصابتك يا اختي ما تستاهلي والله ….أريتك بت السرور يا سعدية لكن المؤمن مصاب … بري الله إمرقك منو دا العارض ).
أصاب سعدية هلعٌ شديدٌ وجحظت عيناها من شدةِ الخوفِ وصرختْ : (أهااا أعمل شنو يا خالتي …؟؟ دا عارض الله يكفيني شرو …)
فردت حاجة آمنة : (تمشي جري لي عبد العزيز خلي إديك حمل من زريبتو ومكيالين درة ، سويهن كرامة مع المغارب دي في قدام الجامع للفقراء يتعشوا بيهن كان الله يبعد عنك دا العارض ….)
وفي لحظات خرجت سعدية تجري كالسهم تبحث عن زوجها لينجدها ويكفيها هذا الشر المستطير .

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

لا أدري كم من الأعوامِ مرت و أنا أرقص؟

أمل إبراهيم 
أرقص ُ ألماً
أرقُصُ عِشقاً
أرقص ُلذةً و وجَع
حنيناً و غَضَب
و لا أدري كيف إجتزت كل هذا و ما زلتُ محتفظةً بملامحي؟
بحرارةِ دمي، بشهوةِ جلدي.
ما زِلتُ أحلم؟
لكني وصلت
رغم القاربِ المثقوبِ و الريحِ المعاكسة
وصلت
وضعتُ أقدامي على شاطئ عامٍ جديد
و مستعدةً تمامًا
لاكتشاف المكان

*
إذَنْ
هذه الطُمانينةُ الباديةُ على ملامحي
لم أصل إليها بسهولة
بَلْ وصلتُ باحتراقي
بأوجاعي الخاصة
و باشياءَ يَتَعذَّرُ ذكرها ،
رُغم ان هذا كلفني عمرا باكمله .
وصلت
و الآنَ أحتفي بعامي الجديد
كل عامٍ و انا أنا ..

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

من رواية أوو نيجاتيف
المعز عبدالمتعال سر الختم

كيف تقاوم سوء السمعة؟ وكيف تداري فضيحتها بين أهل الحي؟ كيف تستميت في معركة غير متكافئة السلاح؟ ما معنى أن تدخل معركة غير أخلاقية وتحافظ فيها على أخلاقك؟ ما معنى أن يقذف عليك العدو صواريخ الابتزاز، وتصدّها بمضادات الأخلاق، ما الأخلاق؟ ومن وضعها؟ اليس هو ذات المجتمع المٌجحف؟ هو نفسه المجتمع الذي يرى سمعة الرجل مجرّد خدش يمكن ترميمه، وسمعة المرأة عار يلازمها طول العمر، ثقب كبير على جبينها لا يمكن رتقه، أي حماقة تجعلنا نتمسّك بأخلاقنا مع طرف لا يعرف قيمة الأخلاق؟ من الآن ستعيد تعريف الأخلاق، ستُسن قوانينها بمفردها وستعاقب أعداءها بقانونها.

🌺🌺🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

عـودة برنامج منتدي القصة

عودة ميمونة لبرنامج منتدي القصة بإذاعة ولاية الخرطوم ، إعداد وتقديم الأستاذة الروائية القامة زينب بليل  وتستقبل القصصزوالكتابات في استقبال الإذاعة 

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 

تدشين رواية أحاجي من السودان  للأطفال يوم الخميس الثلاثين من مارس  التاسعة مساء مركز الفيصل الثقافي

🌸🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

أمـانـي هـانـم 

شاركها على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.